مارلين سلوم


لا يجوز أن تحكم على عمل قبل أن تشاهده كي تكون صادقاً في تقييمك . لكن من حقك أن ترفض مشاهدة فيلم لمجرد سماع أصدائه من أكثر من جهة، وخصوصاً إذا التقت الآراء حوله بشبه إجماع، لتشدك إلى الوراء وتنهيك عن الذهاب إلى السينما لشراء تذكرة وعناء الجلوس في الصالة لأكثر من ساعة ونصف الساعة . هذه الحالة تنطبق على فيلم quot;حلاوة روحquot;، الذي يمكنك أن ترفضه وأنت مطمئن إلى أنك اتخذت القرار الصائب بلا ندم .


من أين تبدأ في الحديث عن فيلم مصنوع بهدف الإغراء فقط؟ هل تشطبه من ذهنك وكفى، وتعتبر أنك لم تر ولم تسمع وبأنه لا يستحق التوقف عنده؟ طبعاً لا، لأنك ستكون إنساناً سلبياً تترك للآخرين حرية التلاعب بالشاشة المصنوعة من أجلك وتتوجه إليك، والجمهور الذي أنت منه، والمجتمعات التي تعنيك، كما يحلو لهم، وأنت صامت متفرج أعمى . وإذا غابت الرقابة عن فيلم من هذا النوع، فالمشاهد أفضل رقيب على مجتمعه وأطفاله، ومن حقه أن يرفض هذا الابتزاز الذي يمارسه بعض التجار على الأطفال والمراهقين والبسطاء من خلال السينما .


البداية كما النهاية في quot;حلاوة روحquot;، والفيلم كتلة لا متفرعات فيها تدور حول امرأة ورجال وأطفال يرغبون جميعاً في امتلاكها . منذ المشهد الأول، تشعر بأنك أمام ابتزاز علني، حيث تعلن كاميرا المخرج سامح عبد العزيز نيتها المسبقة في التركيز على quot;التضاريسquot; (والإغراء بكل معانيه) لتكون هي البطلة الرئيسية منذ أن أدار كاميرته وحتى النهاية، وهي التي تشغل بال أبطال الفيلم كلهم بلا استثناء، والكومبارس، والحارة، وتتحول إلى قضية حيكت حولها الأحداث بلا قصة درامية وبلا منطق . كل الحكاية تختصر بأن روح امرأة تركها زوجها وسافر إلى الكويت بعد شهرين من الزفاف، وانقطعت أخباره كلياً بينما هي تنتظره وتسكن مع أمه التي تبدو متشددة وتخاف على سمعة ابنها . وروح التي يريد أن يقنعنا المخرج بالقوة بأنها بريئة ومسكينة، لا تخرج من بيتها إلا مع حماتها ولا تتكلم مع أحد في الحي . هنا يظهر التناقض وquot;فبركةquot; الفيلم بكل تفاصيله لتحقيق الغرض منه وهو quot;شد المشاهد للسينما بوساطة الصورة المغرية والعاريةquot;، إذ لا تخرج روح من البيت إلا مرتدية فساتين تكشف ولا تستر، وعلى رأسها طرحة شفافة . كل الرجال يريدونها، والأطفال أيضاً! بينما النسوة يغرن منها .
ليس ما يستفز المشاهد فقط تلك المشاهد الملأى بالانحطاط الفكري والعنف الذكوري، وإنما فبركة أحداث لا تنتمي إلى الشارع المصري ولا العربي . فبأي منطق يخلو الحي عن بكرة أبيه من أسرة طيبة يمكنها أن تعطف على امرأة إذا كانت فعلاً نقيّة كما يقولون ولا تسرع لمساعدتها؟ ومن قال إن الحي المصري مملوء بالوحوش البشرية والانفلات الأخلاقي من نساء ورجال، ولا نخوة في الناس إلا لدى الأطفال غير البالغين الذين يتحركون للدفاع عن تلك المرأة بقنابل مولوتوف؟


لذلك باءت كل محاولات كاتب القصة والسيناريو والحوار علي الجندي بالفشل لاستدرار عطف المشاهد من خلال الدموع التي تذرفها البطلة في مواقف أراد لها أن تكون إنسانية . اللعبة لم تكتمل لأن الهدف الأساسي من الفيلم هو ممارسة الإغراء وشد الجمهور إلى شراء التذاكر بأرخص الطرق، ولأن المخرج نجح في تجسيد هذا الهدف بكل ما تتيح له الكاميرا من تقنيات لتسليط الضوء على أماكن معينة من جسد البطلة معظم الوقت .
كان من الطبيعي أن تجسد الدور امرأة فاتنة، وقد قبلت هيفاء وهبي أن تكون هي المرأة التي تظهر مفاتنها طوال الوقت، وتدعي البراءة بسذاجة غير منطقية، لا تتماشى مع مظهرها وطريقة لبسها، والأكثر أن هذه الملابس لا تنتمي إلى البيئة المصرية الشعبية بأي شكل من الأشكال . ومن يعرف مصر وأحياءها يدرك أن quot;روحquot; تنتمي إلى خيال المخرج والكاتب فقط، ومهما تجولت في الشوارع المصرية فلن تجد من تخرج من بيتها بملابس مكشوفة تماماً وتظهر كل المفاتن من كل الجهات، وبحذاء أنيق نظيف وكعب عال بينما الشارع كله شعبي من ألفه إلى يائه، والبطلة ليست فتاة ليل، بل هي امرأة متزوجة جاءت من المنصورة، بسيطة التعليم، مثل أية فتاة مصرية جميلة . علماً أننا لم نر امرأة بريئة في السينما ترتدي ما ارتدته هيفاء في هذا الفيلم، ولم نر إلا بنات الليل والهوى بملابس شبيهة، فكيف يصدق المشاهد أن quot;روحquot; بريئة؟
البطل ليس باسم سمرة الذي نستغرب موافقته على المشاركة في هذا الفيلم وقد وصل إلى الشهرة والنجاح ما يفرض عليه حسن اختيار أدواره وعدم اللهفة على أي عمل تجاري . البطل الحقيقي هو الطفل كريم الأبنودي بدور سيد الذي يعشق روح ويريد حمايتها من الكل . أما كل الباقين، فيطمعون بهذه المسكينة، وأولهم quot;جاغوارquot; محمد لطفي . حتى الفنان الكفيف (صلاح عبدالله) يريد مساعدتها لأنه يريدها له، والراقصة (صباح تؤديها نجوى فؤاد) تبدو طيبة في البداية ثم تقدمها لأحد زبائن مطعمها .
أكثر ما يشعرك بالغثيان ليس فقط استغباؤك من قبل صناع الفيلم وهو إنتاج السبكي، وكمّ المشاهد الرخيصة لأنها بلا قيمة فكرية، إنما أن يتم استغلال المرأة والطفل إلى هذا الحد في فيلم عربي يريد الترويج للانحطاط . الأطفال دون سن البلوغ، أحدهم سيد يعمل مع أبيه عرفة (باسم سمرة) قواداً، وفي المساء يجهز جلسات quot;الحشيشquot; لرجال الحي . ورغم أن الأب متوحش وغير آدمي، والطفل غارق في أجواء الفساد، إلا أنه نبيل ونقي! من يصدق هذا وكيف يتم زج الأطفال في هذا المستنقع الرديء بكل ما فيه؟ بأي حق يتم استغلال مجموعة أطفال في أفلام quot;جنسيةquot; رخيصة؟
هل سمع أحدكم عن الرقابة؟ هل فاتنا مثلاً أنها اعترضت على عرض الفيلم من أصله لا على اقتطاع مشاهد منه؟ صحيح أننا ندافع عن حقوق الفنانين والإبداع في وجه الرقيب، لكن ما يعرضه السبكي في أفلامه وخصوصاً quot;حلاوة روحquot; يخلو من كل إبداع ومن كل أخلاقيات السينما والفن والإنسانية . إنه استغلال لجسد المرأة، وللطفولة، وللمشاهدين، كما هو استغلال لغياب صناعة سينمائية قوية تكفي لسد الفراغ وطرد كل الداعين للانحطاط من عالم الفن السابع . quot;حلاوة روحquot; فيلم يبدأ من القاع وينتهي ما دونه .