عبدالله اسكندر

الأنظار كانت تتجه الى المجلس النيابي اللبناني ليحدد رئيسه نبيه بري موعد جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فيما تتركز هذه الأنظار على المجلس في هذه الايام من أجل معرفة كيفية تلمس الطريق للخروج من المأزق الاقتصادي - الاجتماعي المتراكم، والمسمّى سلسلة الرتب والرواتب.

وما يؤكد خطورة المأزق والتوجس ازاء الابواب المقترحة له هو ان اللجان النيابية التي اجتمعت، مراراً وتكراراً، ووضعت أفكاراً وتراجعت عن أخرى، لم تعد قادرة على القيام بعملها، بعدما استهلكت الافكار والآليات والاتهامات. فأراحت نفسها بتحويل المشكلة برمتها الى الهيئة العامة للمجلس الذي لا يتوقع أن يخرج بمعجزات، تعالج تدوير المربعات، أو تخترع من الحجج في هذا الاتجاه أو ذاك ما لم يبتدعه أعضاء اللجان.

ما يسمّى سلسلة الرتب والرواتب، في لبنان، تتعلق بكيفية تنظيم الوظيفة العامة، أي التقدم الوظيفي والأجور المرتبطة، والذي هو العمود الفقري في أي اداراة رسمية، ومن دونه لا تستقيم أي ادارة رسمية. لكن مشكلة هذه السلسلة في لبنان مزدوجة، قديمة ومتأصلة ومتراكمة المضاعفات والمساوئ.

فمنذ عقود تعاني الموازنة اللبنانية عجزاً ثقيلاً كان يردع الحكومات عن التصدي لتحسين اوضاع موظفي القطاع العام، بحيث أجبر هؤلاء على البحث عن عمل اضافي من أجل تأمين لقمة عيش عائلاتهم. وفي حين ان الموظف يقبض راتباً من الدولة من دون القيام بمهمات وظيفته يركز جهده على العمل الاضافي.

ومنذ عقود، ومع زيادة طغيان الانتماء الطائفي على الادارة العامة، وسعي زعماء الطوائف لتلبية حاجات جمهورهم الى المداخيل السهلة، تضخم الجهاز الاداري على نحو مريع، وبالتأكيد من دون ان تكون له أي فعالية. فهو بات، بالنسبة الى السياسيين، المكان الذي فيه يربون زبائنهم ويحافظون عليهم.

وتكسرت سريعاً كل محاولات إصلاح هذا الوضع الذي بات من صلب ميزات الوضع اللبناني وتقاسم النفوذ السياسي والطائفي، الذي استأثرت به بالتأكيد القوى الناهضة، خصوصاً مع اتفاق الطائف.

وعلى الهيئة العامة للبرلمان المتعددة الولاءات الطائفية والتي يستمد كثير من أعضائها بعضاً من شعبيتهم من الواقع الاداري المذكور، ان يتصدوا لهذه المشكلة المعقدة على كل المستويات، المالية والطائفية والسياسية. فقد عمدت قوى أساسية في هذه الهيئة، في الماضي القريب والبعيد، الى تعطيل العمل الحكومي لمدد طويلة بذرائع شتى، بعد ان تعطل تشكيل الحكومات. هذا اذا لم يسكر المجلس ابوابه، في فترات التأزم، بما يمنع عمل مؤسسات الدولة.

ومن البديهي ان مثل هذه المهمة تقتضي وقتاً ومالاً ومناخاً سياسياً مغايراً. ولا تحل في جلسة نيابية، رغم الإلحاح وضغط الشارع.

وربما تكون هذه المشكلة حالياً هي الذريعة أوالغطاء لتأجيل الدعوة الى جلسات اقتراع الرئيس المقبل، خصوصاً ان القوى نفسها التي فاقمت مشكلة سلسلة الرتب والرواتب وعطلت العمل الحكومي لم تضمن بعد ان جلسة الاقتراع ستشهد تسمية الرئيس الذي يستجيب لدفتر شروطها.

بالتأكيد، لا ارتباط مباشراً بين المسألتين، إلا بتأكيد ميزان القوى المعروف في المجلس النيابي، والانقسام الحاصل بين 14 آذار و 8 آذار. لكن المفاوضات والمحادثات والتسويات الموقتة لمشكلة الرتب والرواتب قد تعبد الطريق أمام المناورات التي تخترق هذا التقسيم التقليدي، بحثاً عن الاسم المطلوب من الشخصيات المارونية الطامحة الى منصب الرئاسة.