أمجد عرار
يدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن دعوته نظيره الأميركي لاستخدام quot;سلطاتهquot; (غير الدستورية طبعاً) على القادة الجدد في أوكرانيا لمنع سفك الدماء في جنوب شرق أوكرانيا، مجرّد صرخة في واد سحيق، ذلك أن الجيش الأوكراني تحرّك لقمع المعارضين الموالين لروسيا بعد ساعات من زيارة رئيس وكالة الاستخبارات المركزية إلى كييف، فضلاً عن الزيارات المتلاحقة من قادة الغرب للعاصمة الأوكرانية، الذين يلتقي المغادر منهم القادم في المطار .
الغرب يتصرّف في أوكرانيا بتجاهل تام لما تعنيه من الناحية الجيوسياسية لروسيا، وهذا التجاهل فاقم الأزمة إلى مديات غير محمودة العواقب . من المعروف أن المغرورين دائماً يضعون توقّعات خاطئة، وعلى ما يبدو سنضطر في الفترة المقبلة أيضاً لقراءة اعترافات أجهزة المخابرات الأميركية والغربية عن سوء تقديرها وتوقّعاتها برد فعل موسكو إزاء سلوكيات الغرب وأدواته، فسوء التوقّع حصل في شأن شبه جزيرة القرم، مثلما أخطأت أجهزة الاستخبارات الامريكية في توقّع رد الفعل السوفييتي على ما سمّي quot;ربيع براغquot; نهاية الستينات، عندما استيقظ التشيكوسلوفاكيون على صوت هدير الدبابات السوفييتية التي أنزلت في شوارعهم quot;في ليلة ما فيها قمرquot; .
الغرب نفسه صدم بردّة فعل موسكو إزاء تدخّله في جورجيا الدولة التي يحمل وزير دفاعها وعدد من وزرائها ما تسمى الجنسية quot;الإسرائيليةquot;، حيث جاء الرد الروسي عسكرياً حاسماً وسريعاً وساحقاً أفقد القيادة الجورجية القدرة على الكلام منذ ذلك الحين حتى اليوم .
وإذ نقرأ أن بوتين طالب الأمم المتحدة بإدانة عملية كييف العسكرية بجنوب شرق أوكرانيا، وأنه أبلغ باراك أوباما بأن هذه العملية قد تضع أوكرانيا على حافة حرب أهلية، فإن هذه السطور تخفي ما هو أسخن من الكلام الدبلوماسي لخريج ال quot;كي جي بيquot;، سيما وأن الناطق باسمه تحدث قبل يومين عن رسائل عديدة تصل الرئيس من مواطنين في جنوب شرق أوكرانيا تطلب المساعدة .
لا نعرف ماذا قال رجل المخابرات الأميركي الأول للقادة المعينين في كييف، ولا طبيعة الوعود التي سمعوها منه حتى استنتجوا أن عليهم في صباح اليوم التالي التحرك عسكرياً في جنوب شرق البلاد، التي نصف سكانها روس وناطقون بالروسية، لكن رجل الشارع يدرك أن الغرب لن يفعل شيئاً إذا استثارت تحريضاته للأوكرانيين غضب الدب الروسي الذي رفض حتى الآن إبعاد مخالبه العسكرية من على الحدود مع أوكرانيا .
ماذا سيفعل الغرب إن غضبت موسكو وتحرّكت؟ من المؤكد أن لا شيء . فحتى على الجبهة الاقتصادية الباردة، أشاح الغربيون وجوههم عندما طالبتهم موسكو بدفع ديون الغاز المترتّبة على أوكرانيا بدل تزويدها بمعسول الكلام والوعود والدسائس، في حين بلغت توفيرات أوكرانيا من تخفيضات روسيا لسعر الغاز مئة مليار دولار .
ومن المفترض أن رسالة سيرغي لافروف وصلت حين قال إن واشنطن في محاولة لإثبات طابعها المميز تتخذ خطوات تمس مصالح روسيا الوطنية بشكل مباشر . هنا ليست ساحة ينفع معها الكلام الأميركي عن تزويد أوكرانيا بأسلحة quot;غير قاتلةquot;، ولا عن تغيير موازين قوى على الأرض بما يطيل أمد الأزمة . اللعبة هنا مختلفة، رغم التشابه في الفشل .