أحمد عبد الملك
أفرزت تداعيات ما يسمى بـlaquo;الربيع العربيraquo; إعلاميين وكتّاباً من نوع جديد، حادوا من وجهة نظري عما درجوا عليه من مخاطبتنا بالمنطق والعقلانية وسعة الصدر، حيث صار بعض هؤلاء أبواقاً لجماعات سياسية، وأصبحوا يجاهرون بالدفاع عن مبادئها وبصورة جلية تكاد تكون laquo;قميئةraquo;، وذلك دونما اعتبار أو اهتمام لعقلية القارئ.
واقع laquo;الربيع العربيraquo; ومآلاته أسفر عن تغيرات في مجالات عدة، ويبدو أن الإعلام أحد القطاعات التي تغيرت جراء ما نتج من مشاهد غريبة أفرزتها تحولات quot;الربيع العربيrdquo;.
لقد ظهرت عبارات لم نشهدها في عالم الصحافة، تماماً كما ظهر laquo;الردحraquo; التلفزيوني في أكثر من قناة عربية. وصار المذيع يخاطب الناس بجسده أكثر مما يخاطبهم بلسانه، وتم نشر عبارات لا تليق بمهنة الصحافة، كأن يتحدث كاتب عن كذب مناوئيه وهو أيضاً يمارس نفس الكذب، كما يخلق بعض الإعلاميينndash; المتحورين حول ذواتهم ndash; حالات من laquo;الخرافةraquo; حول استيعابهم للشأن السياسي، والدفاع laquo;الهستيريraquo; عن حالات إدانة من قبل بعض الجهات القضائية بحقهم، ودحض بعض الأدلة من تسجيلات ووثائق، التي تؤكد ارتباط هذا الإعلام، أو ذاك باتجاهات معينة تتعلق بتجاوز الأمانة أو الاستقامة أو ترويج الأكاذيب.
كما أفرزت تداعيات laquo;الربيع العربيraquo; تكالباً laquo;نجومياًraquo; نحو بيع الضمائر، وضمن هذا الإطار، تفنن كتاب عرب في القفز من أقصى laquo;اليسارraquo; إلى أقصى laquo;اليمينraquo;، استناداً إلى منطق يتمثل فيا أنه طالما أن بعض الدول تدفع، فلماذا لا نغير وجهتنا.
وهذا في حد ذاته أوجد laquo;سُعاراًraquo; إعلامياً يهدف إلى خلط الأوراق وتزييف الحقائق أو سترها، وتزكية فريق سياسي على فريق آخر، حتى لو لم يكن للكاتب لا ناقة له ولا جمل في الأحداث التي تجرى في البلاد العربية، وذلك لأنه يعيش في لندن أو باريس، ولا يعرج هذا النوع على الوطن العربي إلا في حالة laquo;الاستحقاق الدولاريraquo;، أو في مناسبة وطنية كي يقدّم laquo;قرباناًraquo; لذوي الشأن بما خطته يده من مقالات مع هؤلاء وضد هؤلاء.
ومن بين إفرازات ما يسمى quot;الربيع العربيquot; نجد الفوضى الإعلامية والعبارات غير اللائقة التي يُشتم منها رائحة الفرز العنصري والكراهية ضد الآخر، وبيع الضمائر، والتلفيق ضد الخصوم، ومحاولة تشكيل رأي عام مشوش ومريض، وهذا كله قد جعل القارئ العربي في حيرة من أمره.
إن الكاتب المحترف ليتعجب في مثل هذه الظروف، كيف يسمح رئيس التحرير لمثل هذا laquo;الرغاءraquo; أن يُنشر في صحيفته، ثم ماذا يستفيد القارئ من laquo;نشر غسيلraquo; فريق سياسي أو آخر بأسلوب غير حضاري لا يتواءم مع نبل الصحافة وقيمها، تماماً كما يفعلون في بعض الفضائيات العربية التي تعرض اجتراءات واضحة بحق الآخر، وتُنتج برامج لبث الكراهية بين أفراد المجتمع الواحد، أو المجتمع العربي بأسره، بما في ذلك التطاول على الرموز السياسية ndash; التي حظرتها المواثيق الإعلامية في جامعة الدول العربية ndash; والتطاول على الرموز الدينية والاجتماعية، بصورة لا نجد لها نظيراً حتى في إعلام الدول المتطورة والديمقراطية.
الموضوع يحتاج إلى إعادة نظر، ذلك لأن التوتر والغضب والحقد والإقصاء أمور غريبة وخطيرة بدأت تظهر في الإعلام وفي مقالات بعض الكتاب، التي من المفروض أنها تعبّر عن رأي مستنير يهدف إلى تعريف القارئ بالحقائق، وإعطائه معلومات جديدة حول الموضوع محل النقاش، لا أن يستغل الكاتب المساحة الممنوحة له والمدفوع ثمنها له، من أجل أن يبث سمومه ndash; خارج وطنه وبعيداً عن جمهوره المستهدف ndash; الذي من المفروض أن يوجه تلك الرسائل laquo;السوداءraquo; له مباشرة، وليس في الصحف الخليجية، لأننا في الخليج لا نستفيد وليس لدينا شهية لأن نقرأ laquo;مرافعاتraquo; ذاتية، ودفاع عن وقائع أو laquo;مغامراتraquo; لا تخصنا.
وبالإضافة إلى ذلك نحن ندرك ndash; في الإعلام ndash; أن الرسالة الإعلامية كي تنجح يجب أن توجه إلى المتلقين الذين يهمهم أمر الرسالة، وهذه من أبجديات الإعلام التي يجهلها كثير من المتشنجين. كما أن المساحة الممنوحة لمثل هؤلاء الكتاب يمكن أن تُمنح لقلم آخر يفيد القارئ بالكلمة الطيبة والمعلومة الجادة والمفيدة، ويتحلى في الوقت ذاته بالروح والطبيعة الهادئة التي تؤمن بحق القارئ في أن تصله رسالة رصينة تحترم عقله وتراعي التحديات والقضايا التي يعايشها في مجتمعه.
أعتقد أن على المعنيين بأمر الصحف الخليجية مراعاة المسؤولية الاجتماعية والقيم المهنية، حتى مع الإعلاميين الذين خرجوا عن سياق الرصانة المنشودة، هذه الرصانة التي تفرض احترامها على الجميع، ولكن ليس الأمر كذلك الآن، بعد أن تجاوز البعض قيم المهنة، وأغراهم (التمحور حول الذات) حتى النخاع.