راجح الخوري
يتوجه الجزائريون اليوم لانتخاب رئيس جديد عتيق هو عبد العزيز بوتفليقة، الذي عدّل الدستور عام ٢٠٠٨ ليمنح نفسه ولاية ثالثة والآن ليحظى بالرابعة، على رغم انه عاجز صحياً عن القيام بما تتطلبه الحملة الانتخابية، التي تولاها نيابة عنه سبعة مسؤولين من الوزراء والنواب من بطانته التي تنهش الثروة النفطية والغازية بالتعاون مع عدد من الجنرالات الكبار.
وفي حين تهب رياح التغيير في عدد من الدول العربية، على رغم ما آل اليه ما سمي quot;الربيع العربيquot; من شتاء دموي عاصف ومدمر على ما يجري في سوريا مثلاً، يستقر الخريف الثقيل في الجزائر التي مثلت رمزاً للثورة في الوجدان العربي قبل نصف قرن، وهو ما يدفع الى التساؤل: هل هي شيخوخة الروح الثورية، أم انه الاستبداد المخملي يمارس بطريقة مختلفة عما عرفته مثلاً ليبيا ومصر وسوريا؟
يعاني بوتفليقة من آثار جلطة في الدماغ أقعدته منذ فترة عن تسيير دفة الحكم، ومع ذلك أصرّ على الترشّح لولاية رابعة، والغريب انه يعد الجزائريين عبر وكلائه الذين يخوضون الحملة الانتخابية بدلاً منه، باجراء اصلاحات واسعة في البلاد، الأمر الذي لم يفعله في ثلاث ولايات متعاقبة!
الأكثر غرابة ان ثمّة تسليماً من المرشحين الستة الذين ينافسونه على انه فائز حتماً، ولكن نتيجة عمليات تزوير كبيرة ستقوم بها الدولة معتمدة على تفاهم عميق على اقتسام المغانم بين السياسيين المقربين منه والجنرالات الذين سبق لهم ان راهنوا على تغييره من خلال دعم علي بن فليس في دورتي ٢٠٠٤ ثم ٢٠٠٨ ولكنهم فشلوا امام دعم quot;جبهة التحرير الوطنيquot; والتروست النفطي الاميركي - الفرنسي لبوتفليقة!
يرأس بوتفليقة الحزب الحاكم وبقي بن فليس أميناً عاماً للحزب الى جانبه حتى عام ٢٠٠٣ عندما اقنعه بعض الجنرالات بخوض الانتخابات ضد بوتفليقة الذي اختلفوا معه على الاصلاحات الداخلية. وبن فليس الذي خسر في الجولتين السابقتين يتجه الى خسارة جديدة باعتراف مسبق منه، فقد أعلن عشية الانتخابات انه مقتنع بالفوز لكنه لن يسكت عن عمليات التزوير التي ستحصل، بينما يرى عبد الرزاق مقري زعيم أكبر حزب اسلامي يقاطع الانتخابات ان بوتفليقة فائز لا محالة ولكن بالتزوير!
يدعو بن فليس الى تحرير الجزائريين من quot;نظام الأبويةquot; على رغم انه كان شريكاً فيه حقبة غير قليلة، والى انهاء quot;الحكم بالوكالةquot;، في اشارة الى ان مرض بوتفليقة سيضع السلطة في أيدي الوكلاء الذين سيحكمون باسمه ويتقاسمون المنافع، ومن خلال هذا الواقع الذي يفرضه الوضع الصحي للرئيس لا يستبعد المراقبون ان ينشب الخلاف بين هؤلاء الوكلاء بما قد يعيد الجزائر الى حقبة الصراع الدموي على السلطة التي سبقت وصول بوتفليقة الى الرئاسة قبل ١٥ عاماً!