الياس الديري
نابوليون بونابرت يطيب له أن يعود بكل خلاف أو مشكلة إلى quot;النبعquot;. لذا ينصح بالتفتيش عن المرأة، وفي ذاكرته تقيم دائماً صورة جوزفين المتهتّكة وما شهده قصر quot;مالميزونquot; الذي كان حمّامه الرئيسي بأربعة أبواب وأربعة سلالم.
والدليل الذي رافقنا في الجولة الأولى عاد بالأسباب إلى عجقة العشاق الذين كانت الإمبراطورة تنسى المواعيد التي حدّدتها لكلّ منهم...
اللبنانيّون همّهم أكبر قليلاً من همّ نابوليون. فعدا أن سلسلة الرتب والرواتب قد دهمها موعد الاستحقاق الرئاسي، والاضطرار إلى الدخول في صلب الموضوع وتعيين موعد الجلسة الأولى، ثمّة أجواء سياسيَّة مرفقة بهمهمات وهمسات وتلميحات، تميل بمعظمها إلى تأجيل انتخاب الرئيس الجديد، لأسباب تبدأ وتنتهي بتداعيات وانعكاسات الحرب في سوريا واشتراك quot;حزب اللهquot; بقضّه وقضيضه فيها... وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى الداخل اللبنانيquot;.
حتى الأجواء المُكَركبة في معظم البلدان العربيَّة وأرجاء المنطقة، وما يُقال في هذا المقام عن المزاج الدولي (...).
إلاّ أن حبل الصرّة الرئاسي مرتبط في واقع الحال بطهران مباشرة. وثمّة مَن يعتقد أن ساعي البريد الرئاسي لم يعد مضطراً إلى التعريج على دمشق لا في طريق الذهاب إلى quot;عاصمة القرارquot;. ولا لدى العودة منها إلى بيروت التي قيل لها إنهم سيُلَبنِنون استحقاقها الرئاسي هذه المرّة، فيما إذا لو...
خلاصة القول والتحليل أن البلد دخل المرحلة الحاسمة، والتي يتوقَّع بعض الموهومين أن تكون على موعد مع متغيِّرات جذريّة، تتناول إلى حدّ بعيد quot;خصوصيةquot; الاستحقاق وترك الحرية للمرجعيات اللبنانية، من نيابيَّة وسياسيَّة وما إلى ذلك.
في كل حال، الامتحان الرئاسي ارتدى ثياب الميدان ونزل إلى ساحة النجمة. وسنبقى معاً لشهر وعدَّة من أيّام أُخَر. ونحن وإياه والنواب والمرشحون والمنادون باللبننة والتقيُّد بالمهلة الدستورية على موعد قد يتكرَّر يوميّاً أو اسبوعيّاً إذا صدَقَت النيّات، وقد لا يزبط معنا ولا موعد سوى التأجيل.
أيّاً تكن التكهُّنات والتحليلات، بديهي أن تفتح أبواب مجلس النواب في هذه الحقبة الرئاسيَّة يوميّاً. وسواء أكان هناك نصاب أم لا، مطلوب إبقاء قاعة الجلسات مفتوحة.
والاختصاصيون في الدستور والأصول المتعلقة بانتخاب الرئيس العتيد يشدّدون على أن توجه رئاسة المجلس دعوات إلى النواب لحضور جلسات محدّدة التاريخ والتوقيت (...).
يُدرك كبار المسؤولين، وتدرك المرجعيات النيابية والسياسيَّة أن اللعب بالاستحقاق الرئاسي في هذه الظروف المضطربة لا يختلف عن اللعب بالنار.
كل ما عدا الاستحقاق الآن يمكن تأجيله، باعتبار أن تأجيل انتخاب رئيس جديد يؤدي إلى فراغ، قد ينفتح على كوارث.