صالح القلاب

ليس أغلب الظن فقط، بل المؤكد أن الفائز في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها الجزائر سيكون عبدالعزيز بوتفليقة، الذي شهدت ولايات حكمه الثلاث الماضية استقراراً عجز عن تحقيقه كل الذين تعاقبوا على الحكم من الشاذلي بن جديد، إلى محمد بوضيان، إلى علي الكافي، إلى اليامين زروال، والتي شهدت طفرة اقتصادية نقلت هذا البلد كثير الخيرات فعلاً من أوضاع مرتبكة سابقة إلى أوضاع واعدة.


ولعل ما يعتبر تعزيزاً لمكانة عبدالعزيز بوتفليقة أنه تمكن من إبعاد الثكنات العسكرية عن الحكم والسلطة، وأنه كف أيدي الجنرالات عن التدخل في تعيين كل الرؤساء الذين جاءوا بعد هواري بومدين، وهذا أعاد لموقع رئاسة الجمهورية هيبته السابقة، وأعاد للجزائر شيئاً من الدور الطلائعي الذي كانت تلعبه في المغرب العربي والمنطقة العربية وإفريقيا وفي المجالات الدولية كلها.


وعبدالعزيز بوتفليقة، الذي من المفترض أن يحكم لولاية رابعة مدتها خمسة أعوام، من مواليد عام 1937، ويعتبر آخر من تبقى من رموز الثورة الجزائرية العظيمة التي انضم إليها بعد عامين من انطلاقتها، أي في عام 1956، وكان في مقدمة الشبان الذين برزوا في فترة احتدام الصراع بين الحكومة المؤقتة وبين الثوار الذين شكّلوا نواة جيش التحرير، والذين اعتمد عليهم هواري بومدين حتى في انقلابه على أحمد بن بللا في عام 1956.


والمؤكد أن كثيرين من الجزائريين والعرب قد عرفوا عبدالعزيز بوتفليقة، وتعرفوا عليه عندما كان وزير خارجية الجزائر التي كانت، ولا تزال، تحظى باحترام في العالم بأسره، لأنها بلد المليون ونصف المليون شهيد، ولأن شعبها المكافح قد أنجز استقلالاً كان يعد مستحيلاً بعد نحو مئة واثنين وثلاثين عاماً من الحكم الفرنسي البغيض، ففي سنوات ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لمع quot;سي عبدالقادرquot;، وهذا هو اسمه الحركي عندما كان ضابطاً يحمل رتبة رائد في صفوف مجاهدي الجبال، كما لم يلمع أي وزير خارجية عربي، وحقيقة أنه قد لعب في تلك الفترة دوراً مميزاً في دعم الثورة الفلسطينية التي كان أول معسكر تدريب لها في منطقة quot;شرشالquot; بالقرب من الجزائر العاصمة.


وصحيح كل الصحة أن الجزائر لا تخلو من الكفاءات التي تستحق أن تتبوأ موقع رئيس الجمهورية، لكن الواضح أن الجزائريين بينما العنف يضرب معظم الدول العربية يريدون الابتعاد عن أي مغامرة، ويريدون مواصلة الاستقرار، وتجنب أي صراعات ظهرت ملامحها في quot;غروايةquot;، ولهذا فإن اختيارهم لهذا الرجل الذي أخرج الجزائر من دوامة العنف، وأعاد لها مكانتها الدولية ودورها العربي والإقليمي، هو اختيار ضرورة، فخمس سنوات أخرى ستوطد ما تم إنجازه... وليس إلا عبدالعزيز بوتفليقة القادر على تجنيب هذا البلد استحقاقات خطيرة كثيرة باتت تستهدفه وتحيط به من كل جانب.


في السنوات الخمس المقبلة سيتفرغ عبدالعزيز بوتفليقة، نسأل الله أن يمن عليه بالصحة والعافية، لتعزيز الوحدة الوطنية في الجزائر، واستكمال مسيرة إبعاد الجيش عن السياسة وتحويله إلى جيش محترف، واستكمال بناء المؤسسات الدستورية، واستثمار عوائد النفط والغاز التي وصلت إلى أرقام فلكية، ويقيناً فإن quot;سي عبدالقادرquot; لن تتكرر معه تجربة حسني مبارك، لأن هناك فروقاً كبيرة وكثيرة بينه وبين الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ولأن الجزائر ليست مصر، لا في الإمكانات الاقتصادية، ولا في التجربة السياسية، ولا في التركيبة الاجتماعية.