نسرين مهران

إن قلما جيدا خير من طلقة بارود.. وقلبا مقاتلا خير من ترسانة أسلحة. فى مواجهة قصف الشخصية المصرية الأصيلة، واستئصال حناجرها، وتفخيخ جماجمها بأفكار متطرفه شيطانية، تطل علينا فى ميدان المعركة بملابس الحربية المرقطة الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشى لترد الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق. امرأة استثنائية لم تستسلم أبدا لمحاولات محو الهوية،


وإنما ظلت تقاوم طوال حياتها غسيل الذاكرة لهذه الأمة. كلماتها صرخات مكتوبة على وجه السماء. جرأتها فى النقد وشجاعتها فى المواجهة لا تستفز إلّا من الفت عيناه الظلمة أو من يضعون رءوسهم داخل أكياس الرمال. فى حديث مع إعلامية مخضرمة مثلها كانت الأولوية لتجربتها مع الإعلام الدولى ومدى حياديته، ورأيها فى إعلام الداخل ومدى مصداقيته، والبرامج الساخرة والقيمة التى ترسيها...

فى البداية، تطرقنا إلى ملف يشغل مصر كلها حاليا، وهو: انتخابات الرئاسة. أوضحت هنا laquo;الشوباشىraquo; أن أكبر قضيتين تواجهان الرئيس القادم لمصر، هما: التعليم والفقر. فبعد انسحاب الدولة من مسئولياتها فى فترة السبعينيات - تحديدا عقب الإنفتاح الإقتصادى- أنتج لنا التعليم الفاشل عقول مشوّهه، لنجد شخص مثل المرشد السابق للجماعة يقول laquo;طظ فى مصرraquo; دون محاسبة!.. أو نشاهد أساتذة بالجامعات يخبئون مولوتوف فى سياراتهم ويحرضون الطلبة على الفوضى!.. وهى مشاهد لم نعهدها فى زمن ما قبل السبعينيات. بل إن الأمر تفاقم مع تغلغل التيارات الدينية المتشددة فى المشهد ممن يفاخرون بعدم الوقوف تحية للسلام الوطنى، ويجاهرون بحرق أعلام الدولة المصرية فى الميادين!.. كما أن تغييب الوعى الذى لحق بمجتمعنا وأصاب الشخصية المصرية بخلل ما، قد أصبح خطيرا فى ظل تفشى الفقر الذى يعد تربة خصبة للإرهاب، ومن قبله للرشاوى والفساد. صدق الزعيم عبد الناصر حين قال: laquo;من لا يملك قوت يومه، لا يملك حرية قرارهraquo;. لذا، ينبغى على الرئيس القادم أن يعى التحديات الخطيرة التى تواجهه، وأهمها: إصلاح التعليم والقضاء على الفقر. فى حياتنا لحظات تاريخية تبرز فيها شخصية يكون لها الزعامة، وأنا أرى أن شخصية المرحلة الراهنة هو المشير عبد الفتاح السيسى.

حيادية الغرب المزعومة

على ذكر اسم laquo;المشير السيسىraquo;، طرحت عليها سؤالا حول التشويه المتعمد من الإعلام الغربى لشخصية الرجل!.. ونسجهم لقصص ومقالات كلها افتراء حول استبداده وقمعه للشعب!.. ألا يتعبون من الكذب؟!.. هل نشرة الاخبار الحقيقية هى ما نسمعه من الريح أم من الراديو؟! ما تنقله الصحف أم ما نعيشه نحن على أرض الواقع؟!... فتتصفح ألبوم الذكريات، وتستحضر صورة الإعلامية فريدة الشوباشى التى عملت بإذاعة راديو مونت كارلو بباريس لمدة 27 سنة، غير أن مواقفها الثابتة إلى جانب الحق كانت سبب فى فصلها من العمل بسبب رفضها مقابلة شيمون بيريز آنذاك.

تتنهد بوجع عميق بعيد، قائلة: من خلال عملى تنبهت إلى خطورة العبارات المصكوكة فى الإعلام الغربى شأن كلمة laquo;إرهابىraquo; التى صارت مرادفا لكلمة laquo;فلسطينىraquo;. ووقت أن أرسل بعض حكامنا الشباب من بلادنا إلى أفغانستان، لنصرة أمريكا (المؤمنة) والحاق الهزيمة بروسيا (الكافرة)!.. كانت تأتى لنا فى باريس برقيات من جميع الوكالات الدولية تصف هؤلاء الشباب بraquo;المجاهدينraquo;.. لكن الوضع تغيير بعد احكام أمريكا سيطرتها على الأراضى الروسية فأصبح laquo;مجاهدينraquo; الأمس هم laquo;ارهابيينraquo; اليوم!

لا يجب أن نقيم وزنا لإعلام الخارج الذى لا يتمتع بالحيادية مطلقا. ربما يستعطف laquo;الإخوانraquo; الدول الكبرى من أجل دعمهم بالمال والسلاح. أما laquo;رئيس مصرraquo; فلا يحتاج إلى شىء سوى دعم الشعب له، وهو أمر كفيل أن يجبر الغرب على تغيير لهجته معنا وفرض إرادتنا عليهم. فى الماضى، كان إعلام الدول الإستعمارية يصف جمال عبد الناصر بـ laquo;الديكتاتورraquo;، وraquo;المستبدraquo;، وتكتب مقالات خصيصا لتشويه صورته باعتباره laquo;قاهر الشعبraquo;. كذلك، تآمر عليه الغرب فى 1967 وتصوروا أن هزيمة كبرى ستزيحه إلى الأبد من طريقهم. لكنهم لم يدركوا العقلية المصرية التى تزداد صلابة أمام التحديات. كانت صدمتهم كبيرة حين فوجئوا بالجماهير الغفيرة تطالب ناصر بعدم التنحى بعد الهزيمة وأنهم سيحاربون معه حتى النهاية. وجاء مانشيت جريدة لوموند الفرنسية آنذاك بعنوان laquo;إن موقف الشعب المصرى يوم 9 يونيو 1967 قد غير الإستراتيجية الأمريكيةraquo;. وكأن التاريخ يعيد نفسه، لنجد الجماهير الغفيرة تدعم المشير السيسى يوم 30 يونيو 2013 ضد المشروع الغربى الصهيونى الذى يهدف لإعادة تقسيم المنطقة.

قنبلة غاز فاسدة

يستيقظ ماضى الخيبة ويمد اخطبوطه أذرعاً من التسريبات والمداخلات التليفزيونية.. على يقين بأن الوطن يحاصره أعداء من الخارج والداخل على السواء، تعرب الكاتبة فريدة الشوباشى عن استيائها الشديد تجاه مداخلات الرئيس الأسبق مبارك لقنوات تليفزيونية وتسريبات أحاديثه للصحف، متسائلة: من له مصلحة فى ذلك الآن؟!.. يقينا خرجت جماعة الإخوان من رحم نظام حكم السادات وترعرعت فى ظل حكم مبارك، وأنه ليس من قبيل الصدفة أن يخرج علينا laquo;مباركraquo; - الذى طالبته الجماهير بالرحيل- ليدعم السيسي رئيسا.. هذه المداخلة التليفزيونية ما هى الّا قنبلة غاز فاسدة الهدف منها التعتيم على laquo;السيسىraquo; هذا الرجل الذى لا يروق للأمريكان وحلفائهم فى الغرب بعد أن أفسد عليهم مخططاتهم فى الشرق. ينبغى أن ندرك جيدا شراسة الحرب التى يشنّها اعداؤنا علينا.. وأنهم لن يدخروا وسيلة واحدة لهدم laquo;السيسىraquo; وتشويهه، خاصة أن من تضخمت ثرواتهم فى عهد مبارك ليسوا سعداء بما وصل إليه الحال فى مصر.

هنا يأتى دور إعلام الدولة وضرورة أن يستعيد عافيته سريعا لمواجهة الألعاب الخبيثة التى يجيدها الإعلام الخاص. وهو بالفعل حاليا فى طريقه لإستعادة ثقة الشارع مرة أخرى. على أمل أن العقليات التى تديره تأخذ بعين الإعتبار مواكبة التغييرات التى حدثت فى مصر، وتهتم بالأخبار التى تهم المواطن وليس ما يرضى الرئيس مستقبلا، وأن تعرض الواقع بشفافية - حتى وإن كان مؤلما- فهذا أفضل من تغييب الوعى.

كوميديا القاع

على مر الزمان، هناك معارك تشنّها قذائف اللغة من أجل التصحيح والتغيير.. معارك تخوضها الأبجدية من أجل بناء الإنسان والتشييد.. بينما ظهر لنا مؤخرا نوع جديد من المعارك الزائفة باسم laquo;حقوق الإنسانraquo; وraquo;حرية التعبيرraquo; لتوهمنا بأننا ماضون إلى البحر للإستحمام، لنجد أنفسنا ذاهبون إلى القاع مبحرون وحدنا فى المياه المظلمة العميقة. من بين هذه المعارك تلك التى تخوضها البرامج الساخرة، بسلاح النكتة والضحكة، تفرض على المواطن حصار الغربة داخل أرضه.

توافقنى فى الرأى الأستاذة فريدة الشوباشى، وتصب جام غضبها على برنامج الساخر باسم يوسف، والذى ترى أنه يسعى لهدم الدولة. وتضيف: مقارنة بالبرامج الساخرة فى أوروبا، يحتوى برنامج laquo;البرنامجraquo; على كم هائل من الإيحاءات الجنسية والألفاظ النابية المخجلة!.. كيف لنا أن نحترم برنامج يصور الوطن على هيئة فتاة تدعى laquo;جماهيرraquo; تربطها علاقة غير شرعية بابن خالتها الضابط؟!.. كيف لنا أن نثق ببرنامج يرى أن الوطن مغتصب من 60 سنة.. أى منذ قيام ثورة يوليو المجيدة؟!.. هل كان laquo;باسمraquo; يرى أن مصر تعيش فى الحلال مع الإحتلال البريطانى من قبل؟!!.. أرى أن الأمر يعد خروجا عن نطاق السخرية وهو أقرب إلى ابداء رأى. فى كل الأحوال، باسم يوسف حدد المعسكر الذى ينتمى له، وهو ليس معسكر المصريين. أصبح واضحا للجميع ترويجه لمشروع الإخوان لكن على الطريقة الأمريكية، فنجده يسخر من الأخوان مرة واحدة، ومن الجيش عشرين مرة.

بحثا عن وسيلة للخروج من هذا القاع والإنحطاط الأخلاقى، ترى laquo;الشوباشىraquo; أن مصر عليها أن تسترد ريادتها مرة أخرى فى ميادين الثقافة والإعلام. فتسترسل قائلة: زمان كان المواطن يطلب من محل الأجهزة الكهربائية راديو يجيب laquo;محطة صوت العربraquo;، وبرنامج laquo;ساعة لقلبكraquo;.. وكانت الشوارع تفرغ تماما من المارة وقت عرض مسلسل لأسامة أنور عكاشة.. على الدولة أن تسترد دورها مرة ثانية وأن تشجع الشباب المبدع وتعطيه مساحات أكبر فى الصحف والتليفزيون. لو لم تكن الثقافة لها دور عظيم لما استهدفت من قبل قوى الظلام التى ترى أن السينما laquo;حرامraquo;، والأهرامات laquo;أصنامraquo;، وأدب نجيب محفوظ laquo;فسق وضلالraquo;!.. الدولة عليها مسئولية أن تسترد سيادتها فى المدارس والجامعات والإعلام، وأن تشعر المواطن بأن الإرادة المصرية لن يعلو أحد فوقها. فى المقابل، علينا كمصريين أن نستكمل ثورتنا التى أعدناها إلى مسارها الصحيح وأن نعمل بالآية الكريمة التى تقول: laquo; وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَraquo; صدق الله العظيم.