محمد السعيد ادريس

منذ أن تم التوقيع على الاتفاق المرحلي الخاص بأزمة برنامج إيران النووي بين طهران وquot;مجموعة دول 5+1quot; في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والتساؤلات لم تتوقف حول مدى جدية الطرفين في تطوير هذا الاتفاق الذي تتجاوز حدوده الزمنية ستة أشهر إلى اتفاق دائم ينهي هذه الأزمة كلياً، وحول البدائل المحتملة لفشل المحادثات الجديدة التي استؤنفت بين الطرفين الخاصة بالاتفاق النهائي إذا كان الفشل هو الاحتمال الأكثر واقعية في ظل التوجسات المتبادلة، وفي ظل مخاوف quot;إسرائيلquot; وأطراف عربية من النتائج السلبية لتمكين إيران من أن تصبح quot;قوة نوويةquot; .


التساؤل الأخير كانت له مبرراته القوية خصوصاً بعد أن تعمدت quot;إسرائيلquot; إحراج الإدارة الأمريكية وتفجير الخلاف العلني حول المخاوف quot;الإسرائيليةquot; لرفض الاتفاق النووي المرحلي quot;اتفاق جنيفquot;، وإعلانها لما أسمته بquot;حرب الأشهر الستةquot; أي الحرب التي تعتزم خوضها على مدى الستة أشهر الخاصة بالمدى الزمني لاتفاق جنيف النووي من أجل إفشاله . وإذا كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد تدخل بثقل قوي لإحباط التحركات quot;الإسرائيليةquot; داخل الكونغرس ورفض الموافقة على فرض عقوبات جديدة ضد إيران خشية أن يؤدي ذلك إلى إفشال المفاوضات فإن المحاولات لم تتوقف، حتى جاءت اللحظة المناسبة لتفجير أزمة حقيقية بين الإدارة الأمريكية وإيران كافية بعرقلة فرص نجاح المحادثات التي تجري في فيينا للتوصل إلى صيغة اتفاق نهائي لأزمة برنامج إيران النووي .


كانت الفرصة مواتية عندما بادرت الحكومة الإيرانية إلى ترشيخ السفير حميد أبوطالبي ليترأس البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الأمم المتحدة بنيويورك بدلاً من السفير الحالي محمد خزاعي الذي انتهت مدة خدمته في الأمم المتحدة . والسفير ابوطالبي قريب من الرئيس الإيراني حسن روحاني ويعمل مساعداً له وسبق أن عمل سفيراً لإيران في أستراليا وإيطاليا وبلجيكا، وعمل مندوباً لإيران لدى الاتحاد الأوروبي، كما عمل مديراً للدائرة السياسية بوزارة الخارجية الإيرانية لمدة خمس سنوات، أي أنه يحظى بأهلية مهنية قوية ومرموقة تجعله مرشحاً مقبولاً . في المنصب الجديد، لكن الإدارة الأمريكية رفضت هذا الترشيح بزعم اشتراكه في الهجوم على السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 عقب قيام الثورة الإيرانية واحتجاز عدد من المواطنين الأمريكيين لمدة 444 يوماً حتى أطلق سراحهم في يناير/كانون الثاني عام 1981 .


الإعلام الأمريكي قام بالدور الأساسي في إثارة هذه القضية وتضخيمها حيث نقلت وكالة quot;بلومبيرغquot; الأمريكية عن المحامي المسؤول عن الرهائن الأمريكيين ال52 quot;توم لانكفوردquot; الذي يطالب إيران بالتعويض للرهائن منذ عام 2000 طالب الإدارة الأمريكية بعدم منح تأشيرة الدخول للولايات المتحدة للمتورطين في عملية احتجاز الرهائن . وعلى الرغم من التأكيدات الرسمية الإيرانية أن السفير أبوطالبي لم يشارك في عملية احتجاز الرهائن، وكل علاقته بهذه العملية هو الدور الذي قام به كمترجم بين الطرفين، وعلى الرغم من قول ماري هارفي مساعدة المتحدث باسم الخارجية الأمريكية تعليقاً على تلك الاتهامات والمطالب التي تنادي بضرورة رفض طلب منحه تأشيرة دخول للولايات المتحدة quot;لا ندلي عادة بتصريحات حول طلبات الحصول على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة . لا تضع الولايات المتحدة قيوداً على طلبات الحصول على التأشيرات، لكنها ستقوم بالنظر بشأن الطلب الإيرانيquot;، وعلى الرغم من أن ماري هارفي لم ترد على مسؤول عما إذا كانت على علم بتورط أبوطالبي في عملية اقتحام السفارة الأمريكية، فقد بادر الكونغرس بمجلسيه إلى قرار مشروع قانون يستهدف منع الإدارة الأمريكية من السماح للسفير الإيراني المرشح بدخول الأراضي الأمريكية .


هذا القانون مازال في حاجة إلى تصديق الرئيس الأمريكي ليصبح قانوناً سارياً، جاء صدوره بمنزلة ذروة التصعيد الأمريكي ضد إيران في ظروف شديدة الحرج والحساسية، تواجه محادثات فيينا الخاصة بالبحث في تفاصيل الاتفاق النهائي لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني . فقد تضمن هذا المشروع توسيعاً لنطاق المعايير المعمول بها حالياً لرفض منح تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة بحيث أضاف إليها فقرة تنص خصوصاً على أن quot;أي ممثل في الأمم المتحدة تورط في أنشطة تجسسية ضد الولايات المتحدة لا يمكنه دخول الأراضي الأمريكية، وبالتالي التوجه إلى نيويورك حيث مقر الأمم المتحدةquot; .


ورغم أن التشريع الجديد لم يشر بالاسم إلى السفير أبوطالبي لكن توقيت صدوره، وهدفه هو منع هذا السفير من دخول الولايات المتحدة بعد أن وجهت الإدارة الأمريكية اتهامات ضده باعتباره quot;من الطلبة الإيرانيين الذين اقتحموا السفارة الأمريكية عام 1979 واحتجزوا 52 موظفاً أمريكياً كانوا يعملون بالسفارة لمدة 444 يوماًquot;، وكررت الإدارة الأمريكية بعد ذلك مراراً أن اختيار هذا الشخص هو quot;خيار غير مقبولquot; باعتباره quot;شخصاً شكل تهديداً أمنياً للولايات المتحدةquot; .


هذا التشريع وضع إدارة أوباما في مأزق دبلوماسي ليس فقط مع إيران ولكن مع الأمم المتحدة . لأن الولايات المتحدة ملزمة مبدئياً بمنح تأشيرات للدبلوماسيين العاملين في الأمم المتحدة، ولم يسبق أن رفضت واشنطن رسمياً منح تأشيرة لأي سفير في المنظمة الدولية .


وينص الاتفاق الموقع بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة في عام 1947 على أن quot;السلطات الفيدرالية وسلطات الولايات والسلطات المحلية في الولايات المتحدة لا تضع أي عائق على حركة المغادرة والوصول من وإلى الأمم المتحدة لممثلي الدول الأعضاء، أو موظفي الأمم المتحدة، أياً كانت العلاقة القائمة بين الحكومات التي يتبع لها هؤلاء الأشخاص والحكومة الأمريكيةquot; .


المأزق الأمريكي تفاقم بعد أن رفضت الحكومة الإيرانية علناً وعلى لسان عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني اختيار أي مرشح بديل لحميد أبوطالبي .


الأمريكيون يلقون اللوم على الحكومة الإيرانية لتعمدها ترشيح هذا السفير الذي quot;تعلم مسبقاًquot; أنه quot;لن يكون محل ترحيب أمريكيquot;، وأن هذا يعني تعمد إحراج الرئيس الأمريكي في هذه الظروف شديدة الحرج التي تمر بها محادثات فيينا . فالإيرانيون يعلمون أن هناك قوى رفض لهذه المحادثات من داخل الولايات المتحدة ومن خارجها، وكان الأدعى بالإيرانيين مراعاة ذلك، وعدم وضع الرئيس الأمريكي وجهاً لوجه في اختيار صعب بين الرضوخ للضغوط الداخلية ضد الموافقة على منح تأشيرة دخول للسفير الإيراني المرشح المتهم أمريكياً أو الرضوخ للإصرار الإيراني على التمسك بترشيح هذا السفير .


الحديث عن هذا المأزق يبدو أنه وجد بعض الأصداء داخل إيران وخارجها بدليل ظهور تلميحات بالبحث عن مرشح بديل لأبوطالبي، وأن الترشيحات ستكون محصورة داخل دائرة فريق التفاوض النووي الإيراني المسؤول عن التفاوض بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي أصبح مسؤولاً هو ووزارته عن هذا الملف بتكليف من الرئيس حسن روحاني، وتحدثت معلومات أن أقرب المرشحين لهذا المنصب هو عباس عراقجي، أو أحد زملائه داخل فريق التفاوض المقرب من ظريف، لكن رياح التفاؤل هذه بددتها أنباء إيرانية جديدة (51-4-2014) تحدثت عن أن إيران تقدمت بشكوى إلى الأمم المتحدة بعد رفض الولايات المتحدة منع مبعوثها الجديد لدى المنظمة الدولية، ونقل عن مرضية أفخم المتحدثة باسم وزارة الخارجية قولها إن quot;القضية أحيلت إلى لجنة الأمم المتحدة . . وجرى تفعيل الآليات الرسمية لمتابعة الشكوى وسنتابع القضيةquot; .


حديث المتحدثة الإيرانية يكشف أمرين أولهما أمريكي يقول إن الرئيس الأمريكي اتخذ قراره فعلاً وانصاع لموقف الكونغرس برفض منح تأشيرة دخول للسفير الإيراني، وثانيهما إيراني يقول إن إيران لم تتراجع وإنها صعّدت الموقف رسمياً إلى الأمم المتحدة لتنشأ أزمة جديدة بين طهران وواشنطن يصعب عزل تداعياتها عن المفاوضات الجارية في فيينا حول برنامج إيران النووي