مالك التريكي

أصاب المعلقون الفرنسيون الذين قالوا إن كتاب lsquo;مذكرات أمير منبوذrsquo; الذي نشره الأمير هشام العلوي الأسبوع الماضي في باريس سيكون مصدر معلومات وإضاءات مفيدة للمؤرخين.
ولهذا فإني لست من رأي بعض أصدقائي من المثقفين المغاربة الذين سارعوا لانتقاد الكتاب، قائلين إنه يغيّب دور الشعب في تاريخ البلاد ويعبر عن lsquo;الأفكار المتعاليةrsquo; التي تحملها lsquo;الأرستقراطية المغربية اللبنانية السعوديةrsquo;.


ذلك أن ما تتجاهله هذه الانتقادات هو أن الكتاب ليس بيانا سياسيا ولا بحثا تاريخيا، بل هو شهادة شخصية بقلم مثقف ـ ندر نظيره بين الأمراء العرب ـ نشأ نشأة أرستقراطية ولكنه انعتق من إسار الظرف الذاتي والاجتماعي وانحاز لخيار الديمقراطية. بل إنه يشرح في الكتاب أنه على استعداد لتوديع الملكية، رغم عدم اعتراضه عليها من حيث المبدأ، إذا ارتأى المغاربة (الذين أهدى كتابه إليهم جميعا lsquo;دون تمييزprime;) أن النظام الجمهوري هو الأنسب لهم.


وبما أنه تمت إثارة البعد اللبناني والسعودي في هذه الانتقادات، فقد وجب الإشارة إلى حقيقة قد تكون معروفة لدى أكثرية المغاربة، ولكنها شبه مجهولة لدى معظم اللبنانيين، ناهيك عن بقية العرب. وهي أن الأمير هشام هو سليل أسرتين عريقتين اضطلعت كل منهما بدور بارز في التاريخ العربي المعاصر.


فجده لأبيه هو محمد الخامس الذي كان ملكا محبوبا بحق إذ حفظ وحدة الشعب المغربي في أحلك الظروف التاريخية، وتحالف مع الحركة الوطنية في كفاحها من أجل التحرر من الاستعمار.


أما جده لأمه فهو رياض الصلح، أول رئيس حكومة في تاريخ لبنان المستقل. وقد استهل الأمير هشام الفصل الأول من الكتاب بالتعريف بنسبه، وذكر بفخر أن دور جده لأمه كان من الأهمية بحيث أن الكاتب البريطاني باتريك سيل شفع عنوان كتابه lsquo;الكفاح في سبيل الاستقلال العربيrsquo;، الصادر عام 2010، بعنوان فرعي هو: lsquo;رياض الصلح ومولد الشرق الأوسط المعاصرrsquo;.


أما البعد السعودي في المسألة، فهو أن السيدة لمياء الصلح والدة الأمير هشام هي شقيقة السيدة منى الصلح زوجة الأمير طلال بن عبد العزيز، ووالدة رجل الأعمال الوليد بن طلال.


وبحكم هذه العلاقات العائلية، فقد كان لمولاي عبد الله، والد الأمير هشام، دور هام في توثيق روابط المغرب مع لبنان والخليج عندما عينه الحسن الثاني ممثلا شخصيا له عام 1970. ويقول الأمير هشام إن عائلة الصلح هي من إفرازات البورجوازية الكبرى العثمانية في الشرق الأوسط، علما أنه لمّا يكن هناك بورجوازية بعد في معظم بلدان المنطقة.


ويذكر أن بنات رياض الصلح الخمس تلقين تربية تقيلدية ولكن lsquo;على الطريقة اللبنانيةrsquo;، أي في مناخ من سعة الفكر والأفق. ومن ذلك أن السيدة لمياء تخرجت من السوربون، بينما تخرجت شقيقتها الكبرى السيدة علياء الصلح من كلية أكسفورد. وقد صارت علياء (التي رحلت عام 2007) صحافية معروفة. وكانت والدة الكاتب وخالاته فخورات بهويتهن اللبنانية العربية ومتمسكات بالمبادىء الجمهورية.


ومن الأدلة على أن أفكار الأمير هشام ليست lsquo;متعاليةrsquo; أنه كتب أن غايته هي فك شفرة الحامض النووي لنظام lsquo;المخزنrsquo; (المعادل لـrsquo;الدولة العميقةrsquo; عربيا)، وتحديد الطفرة الجينية التي لا بد من إحداثها لكي lsquo;تتمكن الملكية البرلمانية من البقاء حافظا لماضينا مع تحولها في الوقت ذاته دليلا يهدينا السبيل إلى حداثتناrsquo;.