جويس كرم

انشغل الاعلام الأميركي منذ منتصف الأسبوع بحل لغز الطائرة الأميركية الخاصة في مطار مهراباد في طهران، والتي كان مراسل صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; توماس أردبرينك أول من لمحها في العاصمة الايرانية الثلثاء الماضي. وجود الطائرة في هذا المنعطف بالذات من المحادثات الأميركية - الايرانية حول الملف النووي يتقاطع مع رغبة النخبة الاقتصادية في البلدين في اعادة فتح باب الاستثمارات في حال تم التوصل الى اتفاق شامل هذا الصيف.

ما نعرفه أن الطائرة التي تحمل رقم التعريف quot;N604EPquot; يمتلكها مصرف يوتاه، الولاية المحافظة في غرب الولايات المتحدة، حيث له ١٣ فرعا. غير أن المصرف نفى للصحيفة أي علم بوجود الطائرة، مشيرا الى أنه يؤتمن على ١٦٩ طائرة خاصة، وأن الطائرة في مهراباد قد تكون لأحد مستثمريه أو أمناء مجلسه من الشخصيات المهمة (V.I.P) من دون الكشف عن هوية هذا الشخص أو الجهة.

وبغض النظر عن الطرف الأميركي الذي استقل الطائرة الى طهران، وهو على الأرجح شخصية اقتصادية، وليس ديبلوماسية، في مهمة خاصة، كون ذلك يتطلب قدرا أكبر من السرية، فان الحادث يعكس التبدلات في مسار الخطوط الجوية والسياسية بين ايران والولايات المتحدة. فقبل عام، هيمنت على هذه الخطوط عبارات التحدي والتهويل، بعد استيلاء ايران واستعراضها طائرة استطلاع أميركية من دون طيار من طراز RQ-170 سقطت في كاشمار في شمالي شرق البلاد نتيجة خطأ تقني للاستخبارات الأميركية.

بين طائرة الـ quot;سي.أي.أيquot; وتلك الخاصة والاستثمارية على الأرجح في مطار مهراباد اليوم، هناك مرحلة نوعية تمر فيها العلاقة بين البلدين، وقد ينفرج أفقها بشكل يفسر تطلع نخب اقتصادية أميركية نحو طهران، او تنسد في حال الفشل. اذ رغم تأكيد الرئيس الأميركي باراك أوباما ان ايران quot;ليست مفتوحة للسوق الاميركيةquot; وتشديده اجراءات العقوبات الاقتصادية لمنع تجاوزها، فان مسار المحادثات في الملف النووي بين ايران والدول الخمس زائد واحد قد يمهد لرفع بعض هذه العقوبات قبل نهاية العام.

المسؤولون الأميركيون يتحدثون بجدية بالغة عن امكان توقيع اتفاق شامل، وبعضهم يراه ممكنا في تموز (يوليو) المقبل، فيما هناك من هو أقل تفاؤلا ويرى أن تمديد الاتفاق الحالي المرحلي وعدم رفع العقوبات هو الأكثر احتمالا هذا الصيف. ويشارك في المحادثات الدولية مع ايران اليوم، وفد من وزارة الخزانة الأميركية معني مباشرة بملف العقوبات، كما ان للمفاوضة الأساسية في الملف ويندي شيرمان خلفية استثمارية واقتصادية في الشركة العقارية quot;فاني مايquot;.

اغراء النظام الايراني بعقود الاستثمارات وما قد يعنيه فتح العلاقة الاقتصادية مع واشنطن المجمدة منذ الثورة الاسلامية في ١٩٧٩، هو ورقة فاعلة بيد الولايات المتحدة. فطائرة مهراباد سبقتها استعدادات لممثلي عمالقة شركات النفط الأميركية (كونوكو وشيفرون وأكسون موبيل) للقاء مسؤولين ايرانيين في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. اذ حاولت هذه الشركات في التسعينات استحصال عقود في ايران، قبل أن تصطدم بالاجراءات القانونية والعقوبات المفروضة خلال أيام الرئيس السابق بيل كلينتون. وهي تنظر الى ايران اليوم كصاحبة أكبر احتياطي عالمي للغاز الطبيعي ورابع أكبر منتج للنفط بعد روسيا والسعودية والولايات المتحدة.

غرابة المشهد بوجود طائرة تحمل العلم الأميركي في مطار ايراني يفهم بالتوازي مع طائرات الوفود الرسمية الايرانية والأميركية الى فيينا وجنيف ونيويورك للبحث في الملف النووي. ففي حال نجح هؤلاء في ابرام اتفاق تاريخي يقوض البرنامج النووي الايراني ويمنع عسكرته، فسيحتم ذلك رفعا تدريجيا ومدروسا للعقوبات وبالتالي امكان حركة طيران أكثر زحاماً بين ما كان يعرف بإحدى دول quot;محور الشرquot; وبين quot;الشيطان الأكبرquot;.