وليد جاسم الجاسم

بعيدا عن تصنيف المواقف ومقولة فلان محسوب على فلان وعلّان محسوب على علّان، ورغبة في الانتصار لمهنة تواجه عراقيل القرن التاسع عشر رغم اننا تعدينا الألفية الثانية بـ14 عاماً!! نود الخوض قليلا في التبعات الاعلامية المصاحبة لقضية (الشريط) و(المقاطع) والشكوى التي تقدم بها رئيس مجلس الامة السابق جاسم الخرافي منذ زمن، وادلى بشهادته فيها مؤخراً الشيخ أحمد الفهد.. فاشتعلت واشتغلت مع شهادته البلاد والعباد.


نظن ان النيابة العامة اذا ارادت تنفيذ رغبة وزارة الاعلام باغلاق صحيفة laquo;الوطنraquo; وصحيفة laquo;عالم اليومraquo; لمدة اسبوعين ريثما يتم الانتهاء ولو جزئياً من قضية laquo;الشريطraquo;، ستواجه اشكالية في تحديد معايير (الخوض) في موضوع الشريط.
فكل الصحف (خاضت) في الشريط وكل الصحف كتبت فيه وعنه، ونقلت عن رئيس مجلس الامة اقواله وبيانه.. ثم بيانه الثاني، وهذا (خوض في خوض).


كما نقلت كل الصحف كلام سمو رئيس الوزراء وما قاله، وهذا ايضا (خوض في خوض)، كما نقلت الصحف اقوال النواب، سواء من رأوا الشريط مصيبة أو من رأوه (خرطي)، وهذا أيضا (خوض في خوض)!! فكيف ولماذا وبموجب أي معيار يمكن ان تقرر النيابة العامة اغلاق البعض وغض الطرف عن البعض الآخر رغم أن الجميع (خاضوا)؟!
هنا، لا يبقى سوى معيار وحيد وهو (اتجاه الخوض)، فان كان (الخوض) على (هواكم) كوزارة اعلام.. laquo;طنشتموهraquo; ولم تقدموا في الخائض شكوى!! وليخض الخائضون كيفما شاءوا ان يخوضوا.. وحتى لو كنا كلنا نعلم انه (خاض) و(يخوض) (خوضا) وهو (خائض) ولكن الوزارة ما عندها مشكلة معه!! وبالتالي لن تعتبره من الخائضين.. وان جاء الخوض على عكس الهوى والمبتغى حق على الخائض بئس العذاب والعقاب.. وقدمت فيه الشكاوى تلو الشكاوى واتصل المتصلون يحرضون ويسخنون ويلحون وlaquo;يلبحونraquo; حتى يصلوا الى المبتغى.. ويغلقوها.


والحقيقة ان اسلوب التهديد والوعيد بالاغلاق هو اسلوب عفى عليه الزمن ولم يعد اسلوباً حضارياً مقبولاً للتعامل مع وسائل الاعلام وحرية ابداء الرأي دون التأثير على مسارات القضية والتحقيق فيها.
الأمر الآخر هو أن الاغلاق سيظل لايام معدودات او اسبوعين بحد اقصى وبعدها من حق الصحيفة التي (قمتوها) أن تعود إلى الحياة.. وتصدر.. وتواصل ما كانت تطرحه. فهل سيطلبون غلقها من جديد فيقعون في شبهة التقصد والقمع المدروس بحق طرف اعلامي دون اطراف اخرى (خاضت) مثلما (خاض)؟!!
ايضا لا يجوز أن يتم الاكتفاء من قبل وزارة بتحويل كتاب النائب العام واعتباره تعميما على وسائل الإعلام بحظر التداول في موضوع الشريط كله دون إيضاح للتفاصيل وللجوانب التي تعتقد أنه يحظر تداولها والتفاصيل والجوانب التي لا يحظر تداولها.


وفوق هذا كله فإن الكل تحدث في الموضوع، لم يبق نائب لم يتحدث ولا رئيس حكومة ولا رئيس مجلس، كلهم تطرقوا وتحدثوا وخاضوا خوضاً كثيراً.. الفضائيات استضافت ضيوفاً تطرقوا للامر واسهبوا، وصدرت البيانات واطلقت الكلمات. فهل بعد كل هذا الخوض.. يمنع على وسائل الاعلام ان تخوض؟!
لقد ضاعت البوصلة، وغابت المعايير.. فالمنع المطلق غير منطقي.. والإعلام ndash; مع الاسف - تركت الأمور (سايبة) ولم تحاول أن تشرح قرار النائب العام.. علما بأن الحظر الصادر عن النائب العام يخص بالتأكيد ما هو مرتبط فقط بالشكوى المقدمة من رئيس مجلس الامة السابق جاسم الخرافي، اما ما عدا ذلك فهو ليس محظورا لانه أصلاً ليس محل شكوى وبالتالي لا يمكن لك أن تحظر ما ليس مطروحاً في الشكوى الماثلة أمامك.


لقد كان المفترض بوزارة الاعلام بدلا من ان تحيل كتاب النائب العام كما هو الى وسائل الاعلام ان ترفق به ورقة ايضاحية واضحة لا لبس فيها ولا تلبيس. والمفترض كذلك بالاعلام ألا تهرول لتقديم الشكاوى في المؤسسات الاعلامية التي يصدر بعضها منذ 30 و40 عاما واكثر آملة اغلاقها دون ان تحاول ان تتفهم وتستوعب دور وسائل الاعلام وضرورة احترامها لنفسها ومتابعيها خصوصا ونحن في زمن التواصل الاجتماعي والاعلام الالكتروني. فأي خبر يمكن اخفاؤه اليوم وأي حقيقة يمكن العبث فيها؟! فما بالكم اذا كان الخبر حديث المجتمع كله والاوساط السياسية وتخصص له الجلسات البرلمانية.


أما ان تنتظر وزارة الاعلام من وسائل الاعلام ونحن في الالفية الثانية بعد الميلاد، وفي عصر الإنترنت والإعلام الإلكتروني الامتناع التام عن تناول أخطر أزمة تعصف هذه الايام في الكويت!! وتحاول ممارسة دور (سي السيد) في ثلاثية نجيب محفوظ فهو توقُّع عجيب غريب لا يمت إلى عالم الإعلام بصلة.. وهو الى العصر الحجري أقرب صلة!! ولتعلم الوزارة أنها ليست سي السيد ولتعلم ان الصحافة ليست (هدى سلطان).