علي الطراح

منذ تحرير الكويت وهي تعيش حالة تجاذب سياسي أدت إلى تعطيل كثير من مشاريع التنمية. الحكومة تلوم البرلمان وتعتبره السبب في تعطيل مسيرة التنمية، والبرلمان يلوم الحكومة ويعتبرها المسؤول الأول عن وقف عجلة التنمية، وهكذا يستمر التجاذب دون محاولة جادة لوقف حالة القلق الداخلي. بكل تأكيد اللوم الكامل للبرلمان لانعتبره سبباً مقنعاً لوقف عجلة التنمية، وكذلك الحكومة لاتتحمل بمفردها المسؤولية الكاملة. فالديمقراطية الكويتية تعاني من أزمة حقيقية، وهي أزمة ترجع جذورها للتردي الكبير الذي تعيشه القوى السياسية الفاعلة، فمعظمها انخرط في الصفقات التجارية، مما أدى إلى تراجع دورها الناقد. قوى الإسلام السياسي هي التي تحتل درجة عالية من التنظيم ولديها تصوراتها المستقبلية، كما أنها لا تعمل منفردة عن أطرها الدولية، وهذا يقع ضمن استراتيجية العمل السياسي للتنظيمات الإسلامية. وصعدت قوى شابة جديدة لا تحمل أفكاراً أيديولوجية مرتبة، وهي تتحرك وفق الإحباطات العامة التي يعيشها الشارع المحلي، كما أن القوى الشابة توزعت وفق الأطر التقليدية المؤثرة في العمل السياسي الكويتي، وهي بذلك تخفق أحياناً في كسر الطوق التقليدي مما يجعلها تتعثر أحياناً، وبالرغم من كل ما يُقال، إلا أنها تبقى نواة سياسية جديدة تقتحم العمل السياسي، ولعلها تستطيع أن تعي طبيعة تعقد وتداخل الجوانب الاجتماعية والسياسية وأن تُقحم نفسها كبديل عاقل يعي طبيعة ومحددات العمل السياسي بجوانبه المحلية والإقليمية.

المعارضة الفاعلة تتمثل بشخصيات لديها سمات قيادية مؤثرة مثل الرئيس السابق لمجلس الأمة السيد أحمد السعدون والنقابي النشط مسلم البراك، إضافة إلى شخصيات ناشطة، فالتشكيل غير المتجانس استطاع أن يقدم برنامج عمل سياسي تحت مظلة ائتلاف المعارضة، وكان أهم ملامحه استكمال الديمقراطية من خلال اختيار رئيس الحكومة وفق ما يحدث في الديمقراطيات المتقدمة عندما تشكل الأحزاب السياسية حكوماتها. طبعاً المطالب متقدمة في ظل أوضاع اجتماعية وسياسية متشابكة في الإقليم الخليجي، حيث إن العمل الحزبي واختيار رئيس الحكومة بكل تأكيد له أبعاده الإقليمية على المستوى الخليجي، وهذا ربما يجعل مثل هذه المطالب تتعثر في ظل أوضاع متوترة داخل الإقليم الخليجي. على الجانب الآخر، نجد أن مواكبة حدة التوتر السياسي لا يتم أخذها على محمل الجد، لكي نستطيع أن نصل إلى حالة توافق بين القوى السياسية والحكومة.

مطالب الرئاسة الشعبية للحكومة لا تشكل لنا المفتاح السحري الذي يحل مشاكل الكويت، ولا حتى العمل الحزبي، مما يعني أن الانحرافات التي شهدتها الديمقراطية الكويتية تعود لأسباب مختلفة، ومنها على سبيل المثال طبيعة الوعي السياسي والقوى السياسية نفسها، إضافة إلى حالة التردي والتراجع في العمل البرلماني وتحوله إلى تحقيق الخدمات بدلاً من تفعيل دوره الرقابي. فهناك خلل في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، يجعل من المهم أن تُعاد صياغة هذه العلاقة دون محاولة أي طرف التعدي على حقوق الآخر.

ولعل من القضايا الملحة التي يجب الاهتمام بها تتجسد في طبيعة التشكيل الاجتماعي في المجتمع، فحقيقة الصراع الذي يحدث في الكويت، يفسر بطبيعة التغير في المكونات الاجتماعية التي وجد بعضها بمعزل عن كثير من القرارات

إضافة إلى أن التغيير الاجتماعي يجب أن يُنظر له باعتباره عملية طبيعية، وألا تكون سطوة لفئة أو شريحة اجتماعية على شرائح أخرى، إذن المشكلة اجتماعية بالدرجة الأولى ويجب فهم أبعادها.