محمد ولد المنى


فاز الرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبدالعزيز بوتفليقة بعهدة رئاسية جديدة، إذ أظهرت النتائج الرسمية لانتخابات الرئاسة، المعلنة يوم الجمعة الماضي، فوزه بأكثر من 81 في المئة من الأصوات، إذ حاز تأييد ما يفوق ثمانية ملايين ناخب من أصل 11 مليوناً شاركوا في الاقتراع، فيما توزعت بقية الأصوات بين خمسة مرشحين آخرين أبرزهم علي بن فليس، رئيس الحكومة الأسبق، الذي حل في المرتبة الثانية بحصوله على 12.18 في المئة من الأصوات. ورغم ما أثير حول حالته الصحية، خاصة حين ظهر الجمعة الماضي وهو يدلي بصوته، وكان على كرسي متحرك، فقد استطاع بوتفليقة أن يحسم الانتخابات في شوطها الأول وبنسبة فاقت توقعات المراقبين.


وعبدالعزيز بوتفليقة سياسي وقائد جزائري مخضرم، شارك في حرب التحرير الوطني، وكان وزيراً في أول حكومة بعد الاستقلال. وقد تولى رئاسة الجزائر منذ عام 1999، حيث استطاع تحقيق إنجازات على رأسها مشروع السلم والمصالحة الذي سمح بدمج آلاف المسلحين الإسلاميين، وقدم مقاربة جديدة للتعاطي مع الحرب الأهلية التي دخلتها البلاد عقب إلغاء انتخابات عام 1991 وكانت أكلافها باهظة الثمن، كما تخلص تدريجياً من نفوذ المؤسسة العسكرية على قصر المرادية معتمداً على ما يتمتع به من كاريزما شخصية، وعلى ارتباطه في أذهان الجزائريين بالرئيس الراحل هواري بومدين وعهده الذي شهد أوج الازدهار وحركة البناء في الجزائر وقمة نفوذها الخارجي. وخلال ولايتيه الرئاسيتين، الأولى والثانية، بدت بصمة بوتفليقة كوزير خارجية أسبق، واضحة في أدائه العام، حيث حقق اختراقات ملحوظة على الصعيد الدبلوماسي، وأعاد للجزائر مكانتها في النطاقين العربي والأفريقي وفي ساحة عدم الانحياز، وجعل منها طرفاً تتنافس على استقطابه أوروبا وأميركا. لكن الثغرة في علاقات الجزائر الخارجية، بقيت مع محيطها الأقرب، وتحديداً مع جارتها المغرب، ومن ذلك بقاء الاتحاد المغاربي مجمداً، واستمرار الحدود البرية بين البلدين على إغلاقها.

وفي مدينة وجدة الحدودية المغربية ولد عبدالعزيز بوتفليقة عام 1937، لوالده أحمد بوتفليقة القادم من منطقة تلمسان الجزائرية المتاخمة للحدود مع المغرب. ولدى انطلاق حرب التحرير الجزائرية عام 1956 كان بوتفليقة طالباً في المدرسة الثانوية، لكن laquo;جيش التحرير الوطنيraquo; دعا جميع الطلبة الجزائريين للانضمام إلى صفوفه، وكان الشاب عبدالعزيز بوتفليقة (19 عاماً) أحد المنضمين، حيث تلقى تدريباً عسكرياً، ليصبح مراقباً للولاية العسكرية الخامسة. ثم عين في عام 1960 قائداً للجبهة على الحدود الجنوبية مع مالي. أما بعد الاستقلال عام 1962، فأصبح عضواً في أول مجلس تأسيسي وطني ممثلاً عن تلمسان، ثم أصبح وزيراً للشباب والرياضة والسياحة (وكان في الخامسة والعشرين) في أول حكومة يشكلها أحمد بن بلا، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية عام 1963 .

وفي عام 1965 شارك بوتفليقة في الانقلاب الذي قاده بومدين ضد بن بلة، فظل وزيراً للخارجية، وعرف بنشاطه الدبلوماسي وبدفاعه عن مصالح الجزائر ومناصرة القضايا العربية والانحياز لمطالب العالم النامي، لاسيما خلال ترؤسه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974.

وبعد وفاة بومدين الذي حل محله الشاذلي بن جديد عام 1979، أصبح بوتفليقة وزير دولة مستشار في الرئاسة، لكنه سرعان ما أصبح هدفاً لسياسة محو آثار بومدين، فغادر الجزائر عام 1981، ولم يعد إليها إلا في 1987. وفي العام التالي كان أحد موقعي وثيقة الـ18 التي تلت أحداث 5 أكتوبر 1988، وشارك خلال العام التالي في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني وانتخب عضواً في لجنته المركزية. ثم عاد في عام 1998، بطلب من دوائر في السلطة، معلناً نيته خوض انتخابات الرئاسة كمرشح مستقل. ورغم انسحاب جميع المرشحين المنافسين الآخرين (حسين آيت أحمد، مولود حمروش، مقداد سيفي، أحمد طالب الإبراهيمي، عبد الله جاب الله، يوسف الخطيب) بحجة دعم الجيش لبوتفليقة، فقد فاز الأخير بنسبة 73٫8 في المئة من الأصوات ليصبح الرئيس الثامن للجزائر منذ استقلالها.

وشهدت الفترة الرئاسية الأولى لبوتفليقة احتجاجات واسعة ذات مطالب ثقافية ولغوية في منطقة القبائل (الأمازيغية)، لكنه واصل برنامجه الواسع لتعزيز دعائم الدولة الجزائرية عبر إصلاح المنظومتين القضائية والتربوية، واتخاذ إجراءات اقتصادية لإصلاح المنظومة المصرفية، الأمر الذي مكن الجزائر من دخول اقتصاد السوق واستعادة الحركية ورفع نسبة النمو الاقتصادي. وبموازاة ذلك باشر مساراً تشريعياً للوئام المدني عبر استفتاء شعبي نال فيه laquo;مشروع الوئام الوطنيraquo; أكثر من 98 في المئة من الأصوات.

وبدفع من النتائج الإيجابية لعهدته الأولى، أعيد انتخابه في 2004 بنحو 85 في المئة من الأصوات. لكنه أصيب بوعكة صحية في العام التالي ونقل إلى مستشفى فرنسي للعلاج، واتهمت أجهزةُ الإعلام الرسمية أوساطاً أجنبية بإثارة الشائعات في وقت حساس وغير مناسب.

وفي عام 2008 سمح تعديل الدستور لبوتفليقة بفرصة الترشح لعهدة رئاسية ثالثة بعد أن حدد النص السابق للدستور عدد الولايات الرئاسية باثنتين فقط. فخاض بوتفليقة حملته الانتخابية ببرنامج طموح يعد بإنجازات تنموية واجتماعية كبيرة؛ حيث تعهد بإنفاق 150 مليار دولار على مشروعات التنمية، وبخلق 3 ملايين فرصة عمل لإنعاش الاقتصاد الوطني، وبالقضاء على الفقر والبطالة، والاستمرار في مسلسل المصالحة الوطنية، وتحقيق الأمن، ومحاربة الفساد والجريمة.. دون أن ينسى إنجازاته السابقة وعلى رأسها مشروع السلم والمصالحة، وطي ملف الديون الخارجية، ومراكمة فوائض مالية تتجاوز 160 مليار دولار.

وهكذا أعاد الجزائريون، في 9 أبريل 2009، انتخاب بوتفليقة للمرة الثالثة على التوالي بأغلبية وصلت 90.24 في المئة من الأصوات. وكان في هذه المرة مرشحاً عن laquo;جبهة التحرير الوطنيraquo; ذي الأغلبية في laquo;المجلس الشعبيraquo; (البرلمان).

لكن قبل سنة من انتهاء ولايته الثالثة، تعرض الرئيس لوعكة صحية نقل على إثرها إلى مستشفى laquo;فال دو قراسraquo; العسكري في فرنسا، ثم عاد في يوليو الماضي وسط جدل إعلامي حول احتمال ترشحه لولاية رئاسية رابعة. بيد أنه قطع الشك باليقين في 22 فبراير الماضي ببيان رئاسي جاء فيه أن laquo;الرئيس بوتفليقة أودع رسالة النية لدى وزارة الداخلية وسحب استمارات اكتتاب التوقيعات الفردية للمترشحين للانتخابات الرئاسيةraquo;. ثم قدّم بنفسه، في الثالث من مارس، أوراق ترشحه للمجلس الدستوري لولاية رئاسية رابعة. وفي الثالث عشر من الشهر نفسه عين رئيس الحكومة عبدالمالك سلال مديراً لحملته الانتخابية، وهو الذي كان مدير حملته في انتخابات 2009 أيضاً.

ورغم الفارق بين 2009 و2014، فمن الواضح أن الجزائر فضلت في انتخابات الخميس الماضي خيار الاستقرار والاستمرار على خيارات أخرى دفعت أثمان ما يشبهها في السابق!