جمـال الكشــكى

لماذا تم منع عرض فيلم laquo; حلاوة روح raquo; ؟! لماذا تدخل رئيس الحكومة ؟! وما هو موقف وزير الثقافة ؟! وما أوجه الشبه بين موقف الدكتور صابر عرب الآن وبين موقف عبدالحميد رضوان وزير الثقافة عام 1983 ؟!


وما حقيقة تلقى الحكومة العديد من شكاوى laquo; المواطنين raquo; تجاه بعض الاعمال الفنية ؟!

وهل الحكومة صارت وصية على الذوق العام ؟!

إلى أى مدى يصبح هذا النوع من القرارات بمثابة اختبار حقيقى للموقف من مسألة الحريات ؟!

وكيف كان شكل العلاقة بين الفن والسياسة فى زمن الملك فاروق والرؤساء جمال عبدالناصر والسادات ومبارك ؟!

بداية علينا أن نقرأ تفاصيل هذه الضجة - بعيداً عن البعد السياسى والمشاهد الخارجة - وسط تضارب الأراء بين النقاد والفنانين فمنهم من يرى أن قرار وقف الفيلم يمثل مسئولية الحكومة فى مباشرة دورها فى حماية الاداب العامة ... ومنهم من يرى أن مبدأ المنع عودة إلى الفكر raquo; الشمولى raquo; المرفوض بينما عين ثالثه ترى ان طريقة المنع هى المشكلة وانه كان يجب على وزير الثقافة وجهاز الرقابة اتخاذ القرار بدلاً من وصاية السلطة التنفيذية و لكن قبل أن نجيب عن علامات الاستفهام التى طرحناها فى هذا التحقيق علينا ان نعيد الذاكرة الى الاعمال التى صنعت الاشتباك الواضح بين الفن والسياسة و بين الابداع والسلطة على مر التاريخ.

ولنبدأ بفيلم laquo; مسمار جحا raquo; والذى جسد بطولته إسماعيل ياسين وعباس فارس وكمال الشناوى، عام 1952، للمخرج إبراهيم عمارة، وتبين قصة الفيلم مساوئ الاحتلال فى ذلك الوقت، ومنع هذا الفيلم من العرض نتيجة تعرضه للسلطة الحاكمة فى العهد الملكى و ايضاً laquo;فيلم الله معنا raquo; الذى أنتج سنة 1955، للمخرج أحمد بدرخان، بطولة فاتن حمامة ، ومنع الفيلم فى ذلك الوقت، خوفا من تعاطف الجمهور مع الملك فاروق.

وها هو laquo;فيلم المتمردون raquo; الذى صدر سنة 1966 للمخرج توفيق صالح، بطولة شكرى سرحان وميمى شكيب، ويتحدث عن قضاء السلطات على raquo;التمردlaquo; لكنه يوحى ببقاء الأمل فى التغيير.ومنع بسبب الإسقاط على الطبقية فى عهد عبد الناصر، ورفضت الشركة المنتجة توزيعه، بسبب أنه يسىء لسمعة مصر

أما laquo; فيلم شىء من الخوف raquo; والذى أنتج عام 1969 من إخراج حسين كمال، وبطولة شادية ومحمود مرسى، وتدور القصة حول طغيان وتسلط عتريس على أهالى قريته فقد منع الفيلم من العرض لأنه كان يرمز لفترة حكم جمال عبد الناصر، كما قال البعض إنه يرمز لأى حكم ديكتاتورى وطغيان وقهر عامة.

ولا يختلف الأمر بالنسبة لفيلم laquo;العصفور raquo; الذى أنتج عام 1972 من تأليف وإخراج يوسف شاهين، يتحدث عن مرحلة الهزيمة بعد حرب1967. منع من العرض بسبب أنه يرمز لشخصيات معينة فى السلطة فى ذلك الوقت، وسمح بعرضه بعد حرب 1973، ولكن بعد حذف مجموعة من مشاهده.

أما فيلم laquo; حمام الملاطيلى raquo; والذى أنتج عام1973، للمخرج صلاح أبو سيف بطولة شمس البارودى ويوسف شعبان ومحمد العربى، وتدور قصته حول شاب يأتى إلى القاهرة من أجل الحصول على وظيفة ولاستكمال تعليمه ولكنه يتعثر فى كليهما ويسكن فى حمام الملاطيلى

ومنعت الجهات الرقابية الفيلم لاحتوائه على مشاهد خارجة، ثم عرض فى السينما فى فترة التسعينيات بعد أن حذفت منه الرقابة مشاهد كثيرة.

وفى العام نفسه نجد فيلم laquo;زائر الفجرraquo; والذى أخرجه عزت شكرى وجسد بطولته ماجدة الخطيب وعزت العلالى، ويتناول الوضع السياسى الذى تشهده البلاد فى تلك الفترة، مستخدمين عبارات ساخنة عن البلد .

وتم منعه من العرض للإسقاطات السياسية، التى احتواها الفيلم ومنع من استكمال عرضه بدور السينما، مما أصاب منتجته ماجدة الخطيب بالإحباط، وحاولت مقابلة الرئيس السادات فى تلك الفترة لطلب إجازة العرض، إلا أن طلبها قوبل بالرفض

ومن الافلام الشهيرة التى اثارت جدلاً فيلم laquo;الكرنك raquo; الذى ظهر عام 1975، للمخرج على بدرخان، بطولة سعاد حسنى ونور الشريف، ويحكى حالة الاستبداد السياسى والفكرى والتعتيم الإعلامى التى شابت المرحلة.

وبعد فيلم الكرنك بحوالى ثلاث سنوات عشنا تجربة فيلم raquo; وراء الشمسlaquo;إنتاج 1978 للمخرج محمد راضى، بطولة رشدى أباظة ونادية لطفى، وتدور قصته حول السجن السياسى بعد هزيمة 1967، ومنع الفيلم نتيجة الانتهاكات وأساليب التعذيب التى حدثت فى ذلك الوقت

كما تحمل ذاكرة التاريخ فيلم raquo; خمسة با raquo; الذى أنتج فى السبعينيات للمخرج نادر جلال بطولة عادل إمام ونادية الجندى وفؤاد المهندس، ومنع الفيلم بعد أسبوع من بداية عرضه، بأوامر من وزير الثقافة السابق عبد الحميد رضوان رغم أنه حصل على موافقة الرقابة، ورفع منتج الفيلم قضية استمرت ثماني سنوات فى المحاكم قبل أن يكسبها. غير أن فيلم laquo; إحنا بتوع الأتوبيسlaquo; ظهر عام 1979 للمخرج حسين كمال، بطولة عادل إمام، وعبد المنعم مدبولى، وتدور أحداثه حول التعذيب.

ومنع الفيلم من العرض، لأنه ركز على بشاعة التعذيب ومدى الاستهانة بآدمية البشر فى ظل الحكم البوليسى ودولة أجهزة الأمن.

إلى ذلك تتوالى صفحات السينما لنتوقف عند فيلم raquo; درب الهوى raquo; الذى أنتج عام 1983، للمخرج حسام الدين مصطفى، بطولة يسرا وأحمد زكى وشويكار، وتدور أحداثه فى فترة الأربعينيات حيث يجسد حسن عابدين دور الوزير ورئيس حزب raquo;الفضيلة والشرفlaquo; وينادى بغلق بيوت الدعارة، ومنع هذا الفيلم من العرض لأنه تناول أوضاع بيوت الدعارة.

وبينما ظلت السينما تنقل الواقع فقد جاء فيلم raquo; الغول raquo;عام 1983، للمخرج سمير سيف، بطولة عادل إمام ونيلى، ويصور سيطرة رجال الأعمال على المجتمع، ومنع الفيلم من العرض فى ذلك الوقت بداخل مصر وخارجها، لأن حادثة مقتل الغول تشبه حادثة المنصة وقتل الرئيس السادات

أما العمل الذى لا تخطئه ذاكرة السينما المصرية فهو فيلم laquo;البرىءraquo; والذى صدر عام1986 من إخراج عاطف الطيب بطولة أحمد ذكى ومحمود عبد العزيز، وتتحدث فكرة الفيلم عن تحول الإنسان إلى آلة مبرمجة من أجل خدمة سلطة معينة.

ولقى الفيلم اعتراضا واسعا من قبل وزارة الداخلية، وتم عرض النسخة الكاملة بعد اقتطاع آخر مشهد منه للمرة الأولى على شاشة السينما، بعد 19 عاماً من إنتاجه

كانت هذه بعض نماذج للأفلام عبر فترات حكم متعاقبة اما حول حقيقة ما يدور الآن فنجد المخرج الكبير مجدى احمد على يرى ان هناك نوعا من انواع التحالف الخفى بين بعض مخترقى الأزهر ، وأصحاب الرسالات غير الوسطية ، وأن هناك حالة ابتزاز تمارس على المجتمع بأكمله ووضح ذلك من خلال فيلم raquo; نوح raquo; الأمر الذى يكشف عن أن هناك الاعيب وجرائم ترتكب بأسم الدين .

أما فيما يتعلق بتدخل السلطة التنفيذية فى الاعمال الفنية فانه يجب التأكيد علي أنه ليس من حق احد اتخاذ قرار الا بالطريق القانونى ، أما التدخل بهذه الطريقة فهو أمر مرفوض تماماً ويجور على حقوق الناس بل أنه يؤكد أن داخل الحكومة فكر laquo; شموليا raquo;

الى ذلك لم يغفل مجدى احمد على القول بأن هذه الواقعه تمثل لحظة انكشاف حقيقى لدور وزير الثقافة اذ انه بدلاً من البحث عن مبررات للحكومة كان يجب أن يتقدم باستقالته حماية لما يتشدق به من حماية لحرية الابداع لان ما حدث يكشف عن ان السلطة التنفيذية تمارس دورها كنوع من الوصاية على الشعب وهذا غير مقبول ، كما أن ما حدث فى فيلم laquo; حلاوة روح raquo; يعد بمثابة اختبار للموقف من الحرية والديمقراطية من حيث المبدأ .

فى السياق ذاته بعض الاعمال الفنية لاقت تعنتا رقابيا له علاقة مباشرة بالسياسة فحسب قول الكاتب الصحفى والناقد السينمائى طارق الشناوى فإن الموقف السياسى اختلف حسب كل مرحلة حكم ولكن كل فترة كانت لها مواقف واضحة فلو تحدثنا مثلاً عن تجربة الرئيس السادات فإن الرقابة فى زمنه كانت مرتعشة فمثلا منعت فيلم raquo; المذنبون raquo; وبعدها اثيرت ضجة كبيرة تدخل على اثرها الرئيس السادات وتم تحويل المسئولين عن الرقابة الى التحقيق وتم خصم مرتباتهم ، أما بالنسبة للرئيس الاسبق مبارك فقد كان يوافق على عرض كل الاعمال ماعدا الاعمال التى تتعرض الى ملف التوريث أو الحياة الخاصة له ، وكانت التعليمات واضحة للمسئولين عن الرقابة وهى البعد عن الكلام عن التوريث عدا ذلك لم تكن هناك مشكلة لعرض الاعمال السينمائية ، ويضيف الشناوى ان استقالة رئيس الرقابة وضعت الكرة فى ملعب رئيس مجلس الوزراء.

وهنا يطل علينا الناقد الفنى الدكتوراشرف عبدالرحمن مؤكدا أن وقف عرض فيلم ( حلاوة روح ) ليس المرة والأولى ولا حتى العاشرة فى تاريخ السينما المصرية على الإطلاق فهناك عشرات الأفلام التى تعرضت لمثل هذا المنع سواء من الرقابة أو من السلطات الحاكمة ولكن ظروف هذا الفيلم تذكرنا بواقعة قريبه لما حدث فى24 اغسطس عام 1983 حين اصدر وزير الثقافة آنذاك عبد الحميد رضوان قرارا بوقف فيلم ( درب الهوي ) وأيضا فيلم ( خمسة باب ) وجاء ذلك بعد عرض فيلم درب الهوي لمدة شهر ونصف الشهر تقريبا على الرغم من أن الرقابة قد وافقت على الفيلم دون اعتراض بدءاً من الفكرة إلى السيناوريو الى الموافقة النهائية بالعرض ايضا ..وكان مبرر وزير الثقافة آنذاك أنه تلقى العديد من الشكاوى من الموطنين المصريين الذين شاهدوا الفيلم وأنه يسىء إلى سمعة الوطن ، بل إن الوزير تلقى مكالمات تليفونية من المواطنين بالخارج ساءهم أن تكون هذه هى الصورة التى تعبر عن شعب مصر.

وقد كانت ردود الأفعال الصحفية تجاه قرار الوزير بوقف الفيلم وقتها تتفق مع هذا القرار وكانت المانشيتات: ( شكرا ياوزير الثقافة) ليأتى ايضا بعض من كتبوا اعتراضات على تدخل وزير الثقافة وقتها مثل ( رؤوف توفيق ) الذى اعترض قائلا : لا أوافق على قرار وزير الثقافة لأن تدخل الحكومة لمنع عرض فيلم مهما كان سيئاً معناه أن مجتمع السينمائيين والفنانين غير قادر على حماية نفسه والدفاع عن سمعته والمهنة التى ينتمي اليها . ويعنى ذلك ايضا أننا مازلنا نعامل الجمهور على انه تحت سن النضج والمطلوب فرض الوصاية عليه وحمايته .

فهذا الموقف هو ما نشاهده اليوم مع فيلم laquo; حلاوة روح raquo; وإن جاء الإختلاف بأن من قام بالمنع وقتها هو وزير الثقافة ولكن فى فيلم حلاوة روح من قام بالمنع هو رئيس الوزراء .. ولكن جاء رد فعل الدكتور صابر عرب وزير الثقافة الحالي نفس رد الوزير عبد الحميد رضوان عام 1983 حيث قال الدكتور صابر عرب أن رئيس مجلس الوزراء شخصيًا ووزير الثقافة أتت إليهما المئات من الشكاوى لعائلات مصرية تبدى تضررها من هذا الفيلم الذى لم يراع الأوضاع السياسية التى تمر بها البلاد ورأينا أن سحب الفيلم إجراء قانوني.

من الأشياء المدهشة ى الرقابة فى مصر حسب رؤية د . أشرف عبدالرحمن أن الأمور نسبية . فما تجيزه اليوم يمكن أن ترفضه غدا ، اذ يمكنها سحب فيلم من السوق مع إجراء ما تراه من حذف أو تعديل سبق أن وافقت عليه .. حيث تمارس هذه اللعبة بالقانون فالمادة التاسعة من قانون 430 لسنه 1955 تقول هذه المادة raquo; يجوز للسلطة القائمة على الرقابة أن تسحب بقرار مسبب الترخيص السابق إصداره فى أى وقت إذا طرأت ظروف جديدة تستدعي ذلك raquo;

وهنا نتوقف عند عدة نقاط هامة تخص كل الأطراف من جهات رقابية ومن فنانين وحرية ما يقومون به من إبداع وأيضا السلطات الحاكمة حيث نجد أن الجهات الرقابية فيما تستند عليه من معايير وقوانين للرقابة على الأعمال الفنية فى المنع أوالموافقة على عرض الفيلم هى معايير مطاطة، وتعتمد فى النهاية على وجهة نظر شخصية للرقيب نفسه .... كما أن الفنان يرى أن الرقابة على أعماله الفنية هى قيود وتكبيل لحرية الإبداع ، فى حين أن ما يقدمه بعض الفنانين من إسفاف وهدم للقيم والأخلاقيات قد يعتبرونها إبداعا، ولم يتضح لنا إلى الآن ما المقصود بحرية الإبداع الفني، ونأتى هنا إلى السلطات الحاكمة فهل رئاسة الوزراء كل ما يشغلها هو الحفاظ على القيم والأخلاق فى المجتمع فتمنع وتوقف فيلما سينمائيا ، وتترك ما يجب أن تقوم به من إصدار قانون رادع ضد التحرش .

وهل لم تنتبه الدولة إلى مثل هذه الأفلام المسفة سوى هذه الأيام فى حين أن معظم ما قدمه البعض ما هو إلا سينما تجارية او سينما المقاولات التى تعتمد على الإسفاف والجنس والغرائز، ولابد من أن يكون للرقابة الدور الأول فى التصدي لذلك وليس رئاسة الوزراء ولابد من تحديد للمفاهيم بشكل صحيح بوضع معايير وقوانين رقابية واضحة وتوضيح ما يسمي بالإبداع الفني هذا المصطلح الذي يذكرنا بمصطلح آخر وهو حرية الرأي والتعبير ليصبح الإسفاف إبداعا ويصبح التجريح والسب والتعدي ، حرية رأى ، هذا تماما ما نراه فى مصر الآن فوضى المفاهيم والمصطلحات .

ويتساءل د . أشرف عبدالرحمن الناقد الفنى لماذا كانت السينما المصرية بل والفن عموما في ازهي صوره في منتصف القرن الماضي؟ ويجيب: لأن الدولة وضعت اهتماما منذ البداية بالفنون وكان ذلك محددا وواضحاً، واعتبرته سلاحا خطيراً في المجتمع وعلمت قيمته منذ البداية والدليل على ذلك أنه بعد ثورة 1952 بأيام اصدر رئيس الجمهورية السابق محمد نجيب بيانا للسينمائيين فى 8 أغسطس عام 1952 كان عنوانه ( الفن الذي نريده ) حيث يقول البيان raquo; إن السينما وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه ، وعلينا أن ندرك ذلك ، لأننا إذا ما أسىء استخدامها فإننا سنهوى إلى الحضيض، وندفع بالشباب إلى الهاوية raquo; .