جابر الحـرمـي

مع صدور بيان وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي الخميس الماضي، كثرت الشائعات، واختلفت القراءات، وتفاوتت التصريحات المنسوبة إلى مصادر هنا وهناك، دون أن ترتكز إلى أي مصدر معلوم أو موثوق، بل إن إحدى المؤسسات الإعلامية نشرت خبراً على موقعها الإلكتروني ابتدأته بجملة quot;حسب مصادر غير مؤكدةquot;، وهي تتحدث عن مصطلح quot;تنازلاتquot; ادعت أن قطر قدمتها، وهي في بداية خبرها تقول: إنه خبر غير مؤكد، أي مصداقية هذه التي تتحدث عنها مثل هذه الوسائل الإعلامية؟!.


توقفت عند العديد من الأخبار والمقالات التي لا تستند إلى أي شيء، بل إن آخرها يكذب أولها، والكثير منها مبني على quot;فبركةquot; أو بمعنى أصح quot;صناعة الكذبquot; ومن ثم البناء على هذه الاختلاقات، ومواصلة الكذب، دون أن يكون هناك حتى quot;عكازquot; وليس أرجل يمكن لهذا الكذب أن يوقَف عليها.
من بين ما ادعته هذه الوسائل الإعلامية والأقلام quot;المهترئةquot; المتصلة بـ quot;أنابيبquot; المال التي تتدفق عليها من أطراف تحمل أجندات معروفة، ما يلي:
* إغلاق قناة الجزيرة.
* إبعاد د. يوسف القرضاوي إلى تونس.
* إغلاق مراكز بحثية وتحديداً راند وبروكنجز.
* إبعاد الإخوان المسلمين.
* وقف عملية التجنيس.
هذه القائمة التي عرضتها صحف ومواقع وفضائيات على أنها quot;تنازلاتquot; قدمتها قطر، ووقعت عليها في البيان الذي صدر من قبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي.
أبدأ من الأخير.. ولا أريد فتح quot;ملفاتquot; ماضية، لأننا طوينا صفحة هذه الخلافات أو الاختلافات في وجهات النظر، وننظر إلى الغد بكثير من الأمل والتطلع إلى علاقات أخوية أكثر تماسكاً، لا تهزها عواصف أياً كانت، ولا تشكك في النسيج الاجتماعي والأخوي، الذي يربط بين شعوب هذه المنطقة، والأصح شعب هذه الدول، التي لا يوجد بيت في أي دولة خليجية إلا وله تواصل وتداخل، وروابط ووشائج بأشكال مختلفة، وقطر في مقدمة الدول الحريصة على هذه العلاقات الأخوية التي تربط بين أبناء وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي.
البيان الذي وقعه الوزراء لم يأتِ على ذكر تنازلات لأي طرف كان، بل أكد أن جميع الدول وقعت على هذا البيان مجتمعة دون استثناء، وبالتالي ليس هناك تنازلات قدمتها أي دولة أو أي طرف، كل ما هنالك هو أنه حصل quot;تفاهماتquot; اتفقت عليها دول المجلس، والتزم الجميع بها، مع تبني الآليات التي تكفل السير في إطار جماعي، ولئلا تؤثر سياسات أي من دول المجلس على مصالح وأمن واستقرار دوله، ودون المساس بسيادة أي دولة من دوله.
إذن الأمر واضح، هناك تفاهمات وليس تنازلات من أي طرف، والالتزام من جميع الأطراف وكل الدول الست، وهو ما حاول البعض الحديث أو التلميح إليه، عبر إطلاق شائعات، ونسج قصص من الخيال لما ستكون عليه المرحلة المقبلة، وهو أمر بعيد كل البعد عن الواقع، وعما تم الاتفاق عليه.


تحدث البعض عن إغلاق قناة الجزيرة، وأستغرب من هذا الطرح العقيم، وهذه السطحية في تناول الموضوع، وحتى نأتي إلى الموضوع بنهايته، قناة quot;الجزيرةquot; لم تكن مطروحة أصلا على جدول البحث، والجميع يعرف أن quot;الجزيرةquot; مستقلة في خطها التحريري، منذ ولادتها في نوفمبر 1996، ولم تفلح كل الضغوط التي مورست على قطر في تغيير سياستها التحريرية، وبالتالي لا مجال لتكرار ما سبق قوله.
إبعاد الشيخ د. يوسف القرضاوي.. عندما اطلعت على هذا الطرح استهجنته كثيراً، وصغر في عيني من يردده، لسبب بسيط جداً، هو أن هذا الشيخ هو مواطن قطري، وليس هناك لا أقول تفكير ولا يخطر على البال في إخراج الدكتور يوسف القرضاوي، الذي له مكانته العلمية والفقهية والدينية والاجتماعية.. ليس في قطر فقط، بل في العالم العربي والإسلامي أجمع، فهو ابن قطر، وستطلعون في عدد quot;الشرقquot; اليوم تصريحاً وافياً من الشيخ نفسه، ينفي تماماً ما يشاع عن رحيله إلى تونس أو إلى أي عاصمة أخرى، ويؤكد أن هذا محض كذب وافتراء وعار من الصحة، بل وبعيد حتى عن التوقعات، وغير مطروح أصلاً.
يتحدثون عن مراكز بحثية، ويشيرون هنا إلى مركزي quot;راندquot; وquot;بروكنجزquot;، وحتى تتضح الصورة، quot;راندquot; انتهت الاتفاقية معه منذ أكثر من عامين، وهو غير موجود أصلاً في قطر، منذ انتهاء الاتفاقية التي كانت مدتها 5 سنوات حسب ما أتذكر، وبالتالي الحديث عن هذا المركز غير صحيح.
مركز quot;بروكنجزquot; هو مركز بحثي سياسي، قائم على إيجاد تفاهمات بين أمريكا والعالم الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر، وأنشطته وندواته عامة ومعلنة، وتدار كل نقاشاته بشكل علني، ويتم الإعلان عن ذلك في الصحف ووسائل الإعلام.
إبعاد الإخوان المسلمين من قطر.. أتمنى من الذين يرددون هذه المقولة أو هذا الادعاء أن يذكروا هذه القيادات التي يتحدثون عنها أنها موجودة في قطر!! للأسف الشديد، فإن البعض يردد أكاذيب، واسمحوا لي أن أقول ذلك دون أن يتحقق منها، فليذكر لي من يقول ذلك أسماء هذه القيادات.
نعم قد تستضيف قناة quot;الجزيرةquot; أشخاصاً للحديث في الشأن المصري مؤيد لتوجهات الإخوان المسلمين في برامجها، التي تستضيف في الطرف الآخر أشخاصاً مؤيدين أيضاً للانقلابيين، ولم يحدث أن استضافت quot;الجزيرةquot; يوماً في برامجها الحوارية أو الإخبارية أشخاصاً محسوبين على تيار الإخوان دون أن يقابلهم الطرف الآخر.
أما في الشارع المصري فهي تنقل الحدث، وأي وسيلة إعلام محايدة، وذات مصداقية، تبحث عن الخبر، وما يحدث في الشارع المصري لا يمكن تغافله، إلا من وسائل إعلام ترى بعين واحدة.
اليوم يعرف الجميع أن قيادات الإخوان المسلمين معتقلون في السجون المصرية، من حكومة الانقلاب العسكري.. وأما من بقي منهم أو المتعاطفون معهم، فهم في الشوارع، ويتظاهرون يومياً في شوارع مصر، أما الادعاء أنهم موجودون في قطر، فهذه حيلة العاجز الذي لا يعرف كيف يتخلص من المسيرات اليومية، والمتزايدة لرافضي الانقلاب في مصر، من خلال الادعاء أن هناك قيادات تتواجد في بلدان أخرى، قطر وتركيا، وهم من يديرون التحركات في الشوارع المصرية، وهذا ـ صراحةً ـ استخفاف بالعقول، وتقزيم للشعب المصري العظيم، الذي يخرج يومياً بالآلاف للتنديد بالإجراءات القمعية التي تمارسها سلطات الانقلاب.
قضية التجنيس التي يثيرها البعض، هي أمر مستغرب حقيقة لأسباب عدة، أولاً: هذا أمر سيادي لأي دولة في العالم، ولا يمكن التدخل في ذلك لأنه quot;أمر سياديquot;.
ثانياً: أهل الخليج تتداخل أسر بعضهم مع بعض، وهذا معروف ولا داعي للإشارة إليه، والبعض من أفراد قبائل معينة ربما يسعى لاسترداد أو استرجاع جنسيته، وبالرغم من ذلك، فهي أرقام لا تذكر أصلاً، وأعدادهم محدودة جداً، ولا تشكل ظاهرة أبداً، حتى يتم الحديث عنها، وتضخيم الأمر وكأنه ظاهرة بارزة، بل إن الدستور القطري أصلاً يحدد العملية، ولا يمكن تجاوز ذلك، لكن السؤال الأهم: لماذا يرغب هؤلاء الأفراد بالتخلي عن جنسيتهم؟ ثم هل قطر أجبرتهم على ذلك؟..
اما ما يقال عن تجنيس اخوان مسلمين فهذا محض افتراء وعار عن الصحة، واتحدى اي جهة كانت افرادا أو مؤسسات تقديم ما يثبت ذلك، لانه كذب بواح.
هناك لغط كثير، وغبار أثاره المغرضون، الذين لا يرغبون بأن تسود روح المودة والاستقرار والمحبة.. بين دول مجلس التعاون، فحاولوا الادعاء بأن هناك quot;تنازلاتquot; قدمتها قطر، وأقول لهؤلاء: أنتم لا تعرفون قطر، ولا تعرفون قيادة قطر، ولا تعرفون شعب قطر.. ومن أراد أن يعرف السياسة القطرية الخارجية عليه أن يقرأ جيداً مسيرة شعب قطر.. مواقف قطر اليوم هي جزء من تاريخه.. وجزء من قيمه.. وجزء من مبادئه.. فلا تعتقدوا أن هذا البلد، وهذا الشعب quot;سينسلخquot; من جلده..
عندما تولى سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم، قالوا: إن السياسة القطرية سوف تتغير، ولم يعرفوا أن تغير الشخصيات في قطر لا يغير من النهج، كونه منطلقاً من مبادئ وقيم متجذرة في هذا الشعب، ومتأسسة عليها هذه الدولة، منذ مؤسسها المغفور له ـ إن شاء الله ـ جاسم بن محمد آل ثاني.
أقول لكم صادقاً.. الأيام القادمة ستثبت لكم المواقف القطرية.. لا تستعجلوا على ذلك، ولا تستبقوا الأحداث، ولا تضعوا أنفسكم في موقف محرج، وإن كنت أعرف أن البعض يكذب اليوم، ثم يكذب بالغد، حتى تواري كذبة اليوم الكذبة التي قبلها، وهكذا.. فهو يعيش على الكذب، ولا يهمه مبدأ أو الحديث عن المصداقية أو الأخلاق..
الأيام والأشهر والسنوات القادمة، ستثبت كل ذلك.. وإن غداً لناظره لقريب.