يوسف الكويليت


المستغرب عربياً، أن تتوحد المعارضات ضد أنظمة تنازعها الفكر والتطبيق أو حتى دولة غازية، والمفترض أن تتعارض ثم تتحارب وهذا ما جرى على جميع الساحات منذ تنظيمات يسارية وقومية ويمينية خرجت عن الأصل لتتفرع إلى تنظيمات وقيادات لا تخضع للمركز، وإلى التنظيمات الإسلامية المعاصرة..

العقود الماضية شهدت ولادة القاعدة، وعند نشأتها وحربها السوفيات في أفغانستان حصلت على تأييد إسلامي ودولي من منظوريْن مختلفين، إسلامي يرى فيها المقابل والضد للشيوعية الغازية، وأمريكي يريد الانتقام من هزيمته في فيتنام، لكنها بعد أن تقوّى ذراعها وصار لها أدعياء ورواد بدأت تنحو اتجاهاً كونياً يريد بناء دولة الإسلام الكبرى، ولم يقتصر الأمر على هذه الحدود وتم حيادها عن خلق معارك بل أخذت شكل الإرهاب المنظم ليطال الدولة العظمى بتفجير برجيْ مركز التجارة العالمي بما عُرف بأحداث ١١ سبتمبر، لتبدأ رحلة أخرى من حرب طويلة أدت إلى قتل زعيم القاعدة ابن لادن..

الصورة العامة للقاعدة أنها نظام متماسك، وعملية اختراقه لا تعني انشقاقه، بل إن هرمية هذا النظام وتنوع عمله وتكيفه مع كل بيئة أعطته حرية الحركة والتصرف السريع، غير أن المركز بدأ يتضعضع مع موت قائده، فنشأت في ظله تنظيمات مختلفة لبست ثوب القاعدة، ولكنها لا تدين لها، ومن هذا السبب جاءت داعش والنصرة، وكتائب شهداء سورية، وأحرار الشام، لتدخل في حرب تصفيات عنيفة، وخاصة بين داعش والنصرة اللتين بلغ الشك فيهما أنهما صناعة النظام السوري - العراقي، حيث أصدر الرئيس العراقي انسحاباً من طرف واحد في الفلوجة لتحتلها داعش، ودعم التنظيم بمهزلة ما عرف بهروب السجناء في بغداد في عملية متعمدة لتأتي داعش وتحتل الفلوجة بدلاً عن قوة المالكي، وبالمقابل ضربت قوات الأسد الجوية مواقع متعددة وتجنبت داعش، وهو ما يشير إلى أن الحبكة بين النظامين في تسهيل وتسيير ودعم هذا التنظيم تم رسمها في العاصمتين بغداد ودمشق للتخفيف من ضربات المعارضة ذات التوجه المحارب للتنظيمات الإرهابية..

الظواهري خرج عن تحفظاته عندما أخذ مسار الصدام بين التنظيمات الجهادية محاولاً أن يكون المرشد الناصح بوقف التقاتل والتفرغ للأدوار الأهم، إلا أن القيادات التي تدير تلك التنظيمات لم تعد تعبأ بدعواته أو الاعتراف بقيادته، وهذا يؤكد أن القاعدة بدأت تخسر انضباطها ومكونها التنظيمي لتتشعب وتدخل في خصومات مع أنصارها ما ينذر بتفتتها أسوة بمختلف التنظيمات الإسلامية والعربية..

المعنى هنا أن سورية والعراق جاءتا بديلين عن أفغانستان وباكستان، حيث إن نشوء تنظيمات لا تعرف هوياتها أو قياداتها المركزية ولا لمن تدين أو تنتمي، يسهل على اللاعب بين الفرقاء المتقاتلين أن يوظف أعمالهم لمحاربة النظامين في سورية والعراق، أو يقوم بأدوار لصالحهما، لكن ماذا عن بقية القوى والدول الأخرى التي وجدت المناخ مفتوحاً لها طالما أن الولاءات بدأت تعرض في السوق العام، وهل انشقاقات التنظيم العالمي للقاعدة سوف تلحق بأسبابه وظروفه جماعة الإخوان المسلمين بحيث تنفصل عنها جماعات تؤسس لقواعد عمل مستقلة تتجه إلى العمل الإرهابي كبديل موضوعي لفشلها في مصر ودول عربية أخرى ولتكشف عن الوجه الحقيقي لها؟

ما يجري في المنطقة من تداعيات خطيرة تسعى لتفكيك الدول لصالح المليشيات والإرهاب هو عمل تأسس منذ أزمنة طويلة، وقد بدأ تطبيق الخطط مع القاعدة، ولن ينتهي بما يتفرع عنها وغيرها من مختلف التيارات الجهادية..