أحمد يوسف أحمد

يشهد الوطن العربي في مدة وجيزة نسبياً انتخابات رئاسية في ثلاث دول عربية مهمة هي الجزائر ومصر ولبنان، فمصر والجزائر معروفتان بوزنهما القيادي النسبي في النظام العربي نتيجة عناصر القوة التي تتمتعان بها، وقد كان لمصر دورها القيادي في هذا النظام حتى هزيمة يونيو 1967 أمام إسرائيل فيما يرى البعض أن هذا الدور قد امتد زمنياً إلى حرب أكتوبر 1973، بل إن البعض يجادل بأن دور مصر المؤثر قد استمر في النظام العربي حتى في مرحلة الضعف (كما في سيادة مسار التسوية لدى العرب عقب معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية في 1979 على رغم رفضهم لها) أو مرحلة عدم الاستقرار (كما في أثر الإطاحة بحكم laquo;الإخوان المسلمينraquo; في يوليو الماضي على المد الإخواني في الوطن العربي). وأما الجزائر فدورها معروف في أوقات الأزمات العربية الشديدة كهزيمة 1967 ويضاف إلى ذلك دورها الأفريقي المهم ودورها العالمي الرائد في قيادة حركة عدم الانحياز في سبعينيات القرن الماضي فضلاً عن احتياطياتها المالية الضخمة وقوتها البشرية. أما لبنان فهو يكتسب أهميته من موقعه الاستراتيجي وكونه مرآة كاشفة للتنافس وأحياناً للصراع العربي- العربي، ولكنه بالإضافة إلى ذلك يمثل حالة نادرة لـlaquo;قوة الضعفraquo;، وعلى الرغم من قلة عدد سكانه وانقسامهم إلى عديد من الطوائف فإنه يعد حتى الآن الأرض العربية الوحيدة التي شهدت أول هزيمة عسكرية كاملة لإسرائيل بإجبار المقاومة اللبنانية إياها على الانسحاب في عام 2000 من الشريط الحدودي الجنوبي الذي كانت تصفه بالآمن، ثم عادت هذه المقاومة فمنعت إسرائيل مجدداً من تحقيق أهداف عدوانها على لبنان في 2006 موقعة بها خسائر فادحة. وتفضي هذه الاعتبارات كلها إلى افتراض مؤداه أن إجراء انتخابات رئاسية في هذه الدول الثلاث في ظل مناخ ما يسمى laquo;الربيع العربيraquo; يمكن أن يكون له أثر إيجابي على هذه الدول ومن ثم على النظام العربي ككل، ولكن التحليل التالي يذهب إلى أن هذا الافتراض قد لا يتحقق بالضرورة.

نبدأ بالجزائر التي أُجريت فيها الانتخابات بالفعل في 17 أبريل الجاري بين الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة ورئيس وزرائه الأسبق علي بن فليس ولويزا حنون الأمين العام لحزب العمال اليساري ومرشحين آخرين أقل أهمية. وقد اشتد الجدل قبل الانتخابات بين أنصار الرئيس بوتفليقة وخصومه. ركز الأنصار على نجاحه في تحقيق استقرار في الخمس عشرة سنة الأخيرة وحاجة الجزائر إلى استمرار هذا الاستقرار الذي ما زال بوتفليقة يملك القدرة على تعزيزه على رغم تقدمه في السن وحالته الصحية (أدلى بصوته على مقعد متحرك ولم يشارك في حملته الانتخابية) فضلاً عن نيته إجراء إصلاحات دستورية تجعل نظام الحكم أكثر ديمقراطية، أما الخصوم فركزوا على تقدمه في السن (77 عاماً بما يعني أنه سيتجاوز الثمانين في ولايته القادمة) وحالته الصحية الصعبة وعجزه عن الإتيان بأي رؤى جديدة من خارج الصندوق الذي حكم من داخله خمسة عشر عاماً ناهيك عن الفساد المستشري في الدولة. وجرت الانتخابات في جو من الشفافية شهدت به بعثات مراقبة الانتخابات العربية والإفريقية والدولية، وفاز بوتفليقة بـ81,3% من الأصوات التي شاركت في الانتخابات ونسبتها 51,7% ممن لهم حق التصويت وعددهم 22 مليوناً من الناخبين أي أنه سيحكم في ولايته الرابعة بتأييد نسبته 40% تقريباً من الهيئة الناخبة فيما حصل منافسه الرئيسي على 12,18% من أصوات المشاركين بنسبة 6% من الهيئة الناخبة. وقد تفوق بوتفليقة بوضوح إذن على منافسيه بحصوله على تأييد حوالى تسعة ملايين جزائري في مقابل أقوى خصومه بن فليس الذي لم يؤيده سوى مليون وثلث مليون ناخب تقريباً. وأشاد أنصار بوتفليقة بالنتيجة فيما اتهم بن فليس السلطات بتزوير النتائج وقال عبدالرزاق مقري رئيس حركة laquo;مجتمع السلمraquo; المحسوبة على laquo;الإخوان المسلمينraquo; إن تزويراً واضحاً قد وقع في نسبة المشاركة التي لم تتجاوز في تقديره وفقاً للملاحظات الميدانية نسبة 20%. لكن المرشحة الرئاسية اليسارية لويزة حنون التي حصلت على نسبة 1,37% من الأصوات ذكرت في مؤتمر صحفي أن الانتخابات laquo;قد جرت في ظروف جيدة مقارنة بالاستحقاقات الماضيةraquo;، وأضافت أن الملايين من الجزائريين الذين جددوا ثقتهم في بوتفليقة يوجهون من خلال ذلك رسالة سياسية واضحة وقوية بأنهم أرادوا التصدي للفوضى والتهديدات وفضلوا الإبقاء على النظام الذي يترجم تطلعاتهم لتحسين ظروف المعيشة والممارسة الديمقراطية، وعلقت حنون على إدلاء بوتفليقة بصوته من على كرسي متحرك بأن هذه الخطوة شفافة وتعبر عن الحنكة السياسية التي يتميز بها بوتفليقة ويفتقدها آخرون.

اكتسح بوتفليقة منافسيه إذن ولم تسجل بعثات المراقبة الخارجية خروقات انتخابية، ولم تنفجر الأوضاع في البلاد بعد إعلان فوزه، وهو ما يعني أنه إذا استمرت الظروف على ما هي عليه فإن ولايته الرابعة ومدتها خمس سنوات قد تمر في هدوء وأن فرص استمرار النظام حقيقية، لكن السؤال الأهم يتعلق بآفاق الإصلاح والتغيير. ثمة وعود عامة بإصلاحات غير أن بوتفليقة قد يبطئ في تنفيذها على ضوء نتائج الانتخابات، بمعنى أنه إذا كان قد حصل على أغلبية كاسحة مقارنة بمنافسيه فلم الإسراع في الإصلاح الذي قد يقلق بعض أركان نظامه؟ وقد لا تثور قضية الإصلاح والتغيير إلا بعد اختفاء بوتفليقة من الساحة السياسية، وحتى في هذه الحالة ربما ينجح أركان النظام في العثور على خلف له يتمتع بشعبية معقولة وقدرة ما على الإنجاز ومن ثم يحدث مزيد من التأييد لقضايا الإصلاح والتغيير، اللهم إلا إذا كان قبول الجماهير الجزائرية استمرار الأوضاع الراهنة مرتبطاً بشخص بوتفليقة وسجله الوطني الممتد.

أما انتخابات الرئاسة اللبنانية فلا تطرح قضية التغيير أصلاً سواء بسبب الطبيعة البرلمانية لنظام الحكم اللبناني الذي لا يقوم فيه رئيس الجمهورية بدور أساسي في أي تغيير أو بسبب النظام الطائفي الجامد الذي يبدو حتى الآن أن تغييره مستحيل وإن كان حصول رئيس laquo;مشاغبraquo; وصاحب سجل من التحالف مع laquo;حزب اللهraquo; قد يضخ دماء جديدة في ساحة السياسة اللبنانية. ويبقى الأمل في التغيير معلقاً بانتخابات الرئاسة المصرية وإن كانت قوى الوضع الراهن موجودة وقوية وتحدي الإرهاب يهدد باستمرار تركيز الدولة على مواجهته دون غيره وتحمل الجماهير المصرية أمالاً عريضة في أن يكون فوز وزير الدفاع السابق في الانتخابات نقطة انطلاق نحو عهد جديد من الاستقرار والكفاءة والتنمية والعدل الاجتماعي ومحاربة الفساد واستعادة مصر مكانتها. تبدو المهمة بالغة الصعوبة لكن الأمل يبقى قائماً.