رأي القدس


تقدمت نادين موسى بترشيحها للانتخابات الرئاسية في لبنان أمس الثلاثاء في سابقة محمودة تحاول مساءلة القاعدة الثابتة التي أنتجت 12 رئيساً ذكراً تعاقبوا على حكم الجمهورية اللبنانية منذ إعلان استقلالها عن فرنسا عام 1943. موسى، حسب ما قيل، تطمح لكسر احتكار الرجال، والنظام الطائفي الذي يسيطر على مجريات الحياة السياسية في لبنان، وهي ناشطة اجتماعية وسياسية lsquo;علمانية غير تابعة لأي زعيم طائفي او إقطاعي أو لأية دولة أجنبيةrsquo;، كما عرّفت عن نفسها.


الشعارات التي رفعتها نادين موسى مثل lsquo;حان الوقت للتغيير الجذريrsquo; وتصريحاتها ضد lsquo;الفساد المستشري والنظام الطائفي القائم والتوريث السياسي وسياسات الارتهان للخارج او الرهان عليهrsquo; تفتح نافذة لمرور الهواء النقيّ إلى الجو السياسي الموبوء في لبنان، ولو كانت التصريحات هي الفيصل في قرار الجمهور المنتخب لما شكّ المتابع المحايد أنها ستكون مرشحة مؤثرة في بلد يدرك كل مواطنيه أن توصيفاتها البليغة تنطبق عليه.
لا تكتفي موسى بتوصيف النظام السياسي، الذي كان وما يزال خلطة جاهزة مستعدة لفرط الاجتماع البشري اللبناني والانخراط في حروب أهلية مديدة، ولكنها تتقدم أيضا بطروحات تعد بحلّ قضيتين شكّلتا جذرين للصراع لعقود الأولى هي lsquo;بسط السيادة الوطنية على كامل الأراضي اللبنانيةrsquo; والثانية lsquo;بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعيةrsquo;.


وسائل الإعلام وصفت حظوظ موسى بالوصول لمنصب رئاسة الجمهورية وكسر احتكار الرجال له بـrsquo;المعدومةrsquo; دون أن تشرح السبب البسيط الكامن وراء ذلك وهو، في تقديرنا، أن الشعارات الكبيرة التي رفعتها تعني عملياً إلغاء النظام السياسي اللبناني نفسه وهو أمر لم تستطع حرب اهلية طاحنة دامت أكثر من ستة عشر عاماً أن تغيّره فما بالك بمرشحة سلاحها lsquo;النوعيّrsquo; مؤلف من كلمات وبيانات ووعود، مهما كانت عظيمة.
والحال أن ذلك لا ينتقص البتة من قيمة lsquo;وثبةrsquo; نادين موسى للعلا (lsquo;غلب الواثب أم لم يغلبrsquo; على حدّ قول الشاعر)، فرغم ان النظام اللبناني (محميّاً بالمنظومة الإقليمية العربية الاسرائيلية lsquo;الممانعةrsquo; للتغيير) أعاد توظيف الحرب لمصلحته وخرط المحاربين في استقطاب طائفيّ لا سياسيّ، معيداً نظمهم في بوتقته الحديدية، فإن الشرخ الذي صنعته الثورات العربية مؤخراً فتح الباب اللبناني، لا محالة، على خيارات جديدة بالتأكيد.
من غير المتوقع ان تؤدي جلسة البرلمان لانتخاب الرئيس اللبناني (او الرئيسة اللبنانية؟) المرتقب اليوم فالمنصب الذي سيشغر في 25 ايار/مايو المقبل، سيكون، كما كان دائماً، موضع تجاذبات خارج وداخل لبنان، إلى أن يتم الاتفاق الدولي والإقليمي على شخصية تعكس توازنات القوى في لبنان (كما حصل مع انتخاب بشير الجميّل مثلاً بقوة الاجتياح الإسرائيلي، أو مع التجديد القسريّ المتكرر لإلياس الهراوي الذي فرضه النظام السوري) ثم، بعدها، يتمّ إبلاغ اللبنانيين باسم رئيسهم العتيد.


يأتي تحدي نادين موسى للنظام اللبناني، ولو كان رمزياً، ليكشف سوأة فيه لا يتمّ الاهتمام بها كثيراً، فإلى اعتماده على العصبيات المذهبية والطائفية والمناطقية، والدكتاتورية التي تميّز أحزابه السياسية، وطغيان المال والزبائنية فيه، يمارس هذا النظام تمييزاً جنسياً ضد النساء رغم تفاخره وزهوّ lsquo;رجالاتهrsquo; (كما يقال في الرطانة السياسية اللبنانية المعتادة، وهو تأنيث لكلمة رجال يقصد منه التفخيم!) بالحريات التي يتمتع بها لبنان، في مسخ مبتذل لمفهوم الحرية يقصد منه الجانب الشكليّ فيها الذي يزركش الصورة، ولكنه لا يمكن أن يخفي المساوئ التي تختفي خلفها.