زياد الدريس

ولو أسميتها: حرب الألف عام، لما جانبت الصواب كثيراً.

إذ عدا عن الحروب المفتعلة التي استهلكت قوانا ومدخراتنا وعقولنا وعواطفنا طوال العقود الماضية وحتى عقدة اليوم، فإن حرباً داخلية نفتعلها نحن ولا تُفتعل لنا، هي الأشد شراسة والأكثر إيلاماً إذ تقسم المجتمع إلى شطرين متنافرين، لا يريان إمكانية للتلاقي بينهما... لا دنيا ولا آخرة!

تلك هي الحروب المتعاقبة عندنا بين التيار الديني والتيار اللاديني، فالأول يريد أن يغمس الدين في غير موضعه غافلاً عن القانون النبوي: laquo;أنتم أعلم بأمور دنياكمraquo;.

والثاني يريد أن يحشر الدين في المسجد فقط، وأن يتأكد من إغلاق أبواب المساجد على المصلّين بإحكام!

ينبغي تأكيد أن التصنيف الديني واللاديني هنا هو تصنيف ثقافي أكثر مما هو شرعي، إذ لا قبول في هذا النسق لإعطاء صكوك غفران لأتباع التصنيف الأول، أو توزيع صكوك نيران على أتباع الثاني. كما أن وصف الثاني باللاديني لا يعني انفكاكه من العلاقة بالدين إلا إذا ظننا بالمثل أن ذاك الديني لا يغرف من متع الدنيا. هنا تتبدى إشكالية استيراد المصطلحات!

ولأننا لم نصل بعد إلى ما وصلت إليه أوروبا العصور الوسطى، وما أعقبها من حروب دينية مكشوفة، فإن حروب التيارين الديني واللاديني عندنا تتمظهر بمسميات انتقائية... ملطّفة دائماً على رغم فاشيّتها غالباً.

يغيب عن ذهن كثرٍ من المشاركين، بإخلاص، في تلك الحرب، أن مشعليها هم في الغالب لا يدافعون عن أفكار، بل عن مصالح ومنافع... طرفٌ منهم باسم حماية الدين والطرف الآخر باسم تجديد الدين!

تمظهرت هذه الحروب laquo;التنكريّةraquo; خلال القرن الماضي تحت ثنائيات مثل: الخلافة الإسلامية والنهضة العربية في عشرينات القرن الماضي، ثم التضامن الإسلامي والقومية العربية في ستيناته، وفي الثمانينات اشتعلت حرب الصحوة والحداثة.

وكأننا بعد كل ثلاثين عاماً، تزيد أو تنقص، من الحرب الباردة بين التيارين نكون على موعد مع اشتعالٍ جديد. إذ ها نحن الآن، في عشرينات القرن الجديد، ننغمس في جذوة التوتر من جديد بين الغريمين الدائمين، ولكن هذه المرة بأعواد ثقاب الربيع العربي، وبشعارَيْ: الإصلاح الحركي، ومضادّه الاستقرار السكوني. إذ كأننا أمام خيارين فقط: إما الإصلاح الذي يقضي على الاستقرار ويشيع الفوضى، أو الاستقرار الذي يأبى الإصلاح ويكرّس التخلّف.

كيف السبيل إلى إيقاف هذا التنازع المستديم بين تيارين يمكن صنع آلية تقارب بينهما تفوق ما نتصور وما يتصورون هم أيضاً، إذا رغبوا؟!

الحل الأمثل، وليس الأسهل، هو في أن تتمكن البلاد من بناء تيار وطني laquo;عربي/ مسلمraquo; صادق، يكفينا شر نزاعات الزعامة المتبادلة بين التيار الديني واللاديني، ويملأ الفراغ الموجود في ساحات المزايدة الدينية والمدنية.

بيْدَ أن هذا الحل لن يُصار إليه إذا كان حقاً هناك طرف ثالث متخفٍّ يُشعل الصراع بين الطرفين وينتفع به أكثر منهما!