منار الشوربجي
اتهم أوباما الحزب الجمهوري بمحاولة تزوير الانتخابات القادمة، من خلال شن حملة ضخمة هدفها حرمان الملايين من حقهم في التصويت. وقد جاء ذلك في واحدة من مناسبتين في أسبوع واحد، تحدث فيهما الرئيس الأميركي عن المسألة العرقية.
ففي المناسبة الأولى، التي عقدت في مكتبة الرئيس الراحل ليندون جونسون، ركز الرئيس على قانون الحقوق المدنية لعام 1964، الذي قضى قانونا على التمييز بين الأميركيين على أساس الأعراق أو الإثنيات أو النوع.
أما في المناسبة الثانية، والتي كانت مؤتمر شبكة العمل العام التي يرأسها آل شاربتون، فقد تحدث فيها أوباما عن قانون حقوق التصويت لعام 1965 والانتكاسة التي يتعرض لها.
فقال صراحة إن quot;حق التصويت يتعرض اليوم للتهديد على نحو لم يحدث منذ أن صدر القانون منذ خمسة عقود.. فالجمهوريون يقودون في طول البلاد وعرضها جهودا من أجل تمرير قوانين (في الولايات) تجعل عملية التصويت أكثر صعوبة لا أكثر سهولةquot;.
وأضاف أوباما بحدة: quot;إن الأميركيين لم ينتفضوا ولم يقوموا بمسيرات (يقصد حركة الحقوق المدنية)، ولم يضحوا من أجل الحصول على حق التصويت لهم ولغيرهم، حتى يحرم من ذلك الحق أبناؤهم وأحفادهمquot;.
والحقيقة أن تلك هي المرة الأولى التي يتحدث فيها أوباما علنا، عن ممارسات الجمهوريين على مستوى الولايات لحرمان قطاعات واسعة من التصويت، رغم أن القاصي والداني يعلم أن تلك الممارسات جارية على قدم وساق منذ عامين على الأقل، وكتبت عنها عشرات الصحف الأميركية والدولية.
وقد أشارت إليها كاتبة السطور في عام انتخابات الرئاسة الأخيرة، مرتين على الأقل.
والقصة بدأت فصولها الأولى بعد انتخابات 2008، التي فاز فيها أوباما ومني فيها الحزب الجمهوري بهزيمة كبرى تعددت أسبابها.
وقد اتضح أن من أهم تلك الأسباب، أنه في عام 2008 انضم للقوة الناخبة عدد هائل من الناخبين الجدد الذين أدلوا بأصواتهم للمرة الأولى، وأن ثلثي الناخبين الجدد، وأغلبهم من الشباب والأقليات، أعطوا أصواتهم لأوباما.
ومن هنا، ارتأت قوى اليمين الجمهوري أنه من اللازم لوقف تقدم الحزب الديمقراطي في المرات القادمة، الحيلولة دون تلك القطاعات تحديدا وصناديق الاقتراع، أي جعل وصولها للصناديق أكثر صعوبة.
ومن هنا، قامت حملة شرسة تبنتها منظمات يمينية متطرفة ومولها أصحاب الملايين من الجمهوريين، لإبعاد القطاعات التي تميل تصويتيا للحزب الديمقراطي عن التصويت أصلا، ومنهم شباب الجامعات والمرأة والأقليات، خصوصا السود والأميركيين من أصول لاتينية.
وقد كثف اليمين جهوده طبعا في الولايات التي يسيطر الجمهوريون على الأغلبية في مجالسها التشريعية المحلية، حيث يسهل فيها إصدار قوانين يخترعون فيها معوقات تستهدف تعويق تلك الفئات تحديدا، بزعم أن الهدف هو منع التزوير.
وقد حدث كل ذلك على مرأى ومسمع من الجميع، ومثل انتكاسة واضحة للحقوق المدنية في أميركا، دفعت الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في حواره مع الشباب، لأن يصف ما يجري قائلا إن quot;من أكثر الحركات السياسية تجبرا اليوم، هي تلك الجهود المنظمة التي يتبناها مشرعو الولايات وحكامها الجمهوريون، والعازمة على حرمان أغلبيتكم من التصويت..
فمنذ تخلصنا من قوانين العنصرية، لم أشهد طوال حياتي ما أشهده اليوم من جهود مضنية لحرمان الناس من التصويتquot;.
وقد جرى كل ذلك أثناء حملة إعادة انتخاب أوباما عام 2012، دون أن ينطق الرجل ولا إدارته بكلمة واحدة.
ومما زاد الطين بلة، أن المحكمة العليا الأميركية حكمت العام الماضي بإلغاء إحدى الفقرات المهمة في قانون الحقوق المدنية لعام 1965.
فقد نص القانون على أن الولايات التي لها تاريخ من الممارسات العنصرية، خصوصا في حرمان الأقليات من حق التصويت، يتحتم عليها أن تحصل على موافقة الحكومة الفيدرالية عند إجراء أي تغيير في قوانين الانتخابات وإجراءاتها.
فما كان من المحكمة العليا إلا أن ألغت هذا النص، بدعوى أن تقدما كبيرا قد حدث على صعيد الممارسات العنصرية، ومن ثم لم يعد هناك ما يدعو لحصول الولايات على موافقة الحكومة الفيدرالية على قوانينها.
وما إن صدر حكم المحكمة حتى انطلقت عدة ولايات أخرى تصدر مزيدا من القوانين التي تحرم المزيد من القطاعات من التصويت.
بعبارة أخرى، فإن حملة الجمهوريين لحرمان قطاعات واسعة من التصويت لمجرد أنها تميل في سلوكها التصويتي للحزب الديمقراطي، تجري على قدم وساق منذ سنوات، ولم يتحدث عنها الرئيس أوباما علنا إلا بعد أن صار واضحا أن حزبه سيعاني أزمة حقيقية في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في نوفمبر المقبل.
فكل الاستطلاعات تشير إلى وجود احتمال قوي لأن يخسر الحزب الديمقراطي مقاعد الأغلبية في مجلس الشيوخ، وربما يخسر بعض المقاعد في مجلس النواب.
لذلك، فإن أوباما يفعل اليوم بالضبط ما فعله في الشهور الأخيرة من حملته الانتخابية للرئاسة عام 2012، أي أن يحشد قاعدة حزبه. فالرئيس أوباما لم يكن ليستطيع الفوز لو فترت عزيمة القطاعات التي دعمته، وشعرت بالإحباط من سياساته مع حلول عام 2012. وهو اليوم يقوم بعملية الحشد نفسها، والتي لا يستطيع حزبه تحقيق أي فوز دونها في انتخابات 2014 التشريعية.
ومن ثم، فإن الاتهام الذي يوجهه الرئيس للحزب الجمهوري، لا يمثل غضبة من أجل الحقوق المدنية ولا هو من موقف رئاسي ضد الانتكاسة التي تعانيها حقوق التصويت في أميركا، وإنما المسألة ببساطة مسألة حسابات انتخابية سياسية، تتعلق بالمكسب والخسارة في انتخابات 2014.