يوسف الكويليت

لا نظن أن أي عربي بمختلف التوجهات والحب والغضب من الفلسطينيين أن لا يفرح باتفاق فتح مع حماس، وبنفس الوقت يخشى أن تكون هذه النقلة مجرد مهادنة فقط ولا اعتبار لنتائج إيجابية سوف تلحق بمثل هذا الاتفاق..

فقد جمعت المملكة الفرقاء في الحرم المكي الشريف أكثر من مرة، ووقعوا تعهداً ملزماً بالمصالحة ولكنها انتهت إلى قطيعة وحرب، وفي القاهرة جرى العديد من اللقاءات والاجتماعات، وكذلك جربت دول أخرى مساعي لنفس الغاية والغرض واحد لأن الجميع يشعر أن الإسفين الذي دُق بين الفصيلين المتنازعين أضعف الموقف الفلسطيني وجعل إسرائيل في مفاوضاتها مع الرئيس محمود عباس تقول إنه لا يمثل كل الفلسطينيين، ولكن عند الإشارة فقط للاتفاق بين الطرفين، انزعجت وأعلنت ما يشبه حالة الطوارئ باجتماعات وزارية وتهديدات بإيقاف المباحثات، وثنّت عليها أمريكا بإعلان قطع المعونات ووقف وساطاتها، أي أن مجرد وجود وحدة فلسطينية بصيغة خاصة وإصلاحات جذرية للدولة وقوانينها وخطواتها بما فيها عملية السلام مع إسرائيل، جاءت وكأنها زلزال له توابع مدمرة على إسرائيل ومن يحالفونها..

مشكلة حماس أنها حاولت قطع كل الطرق مع فتح ودول عربية عديدة، وذهبت لما هو أبعد بتحالفات وعداءات، والتفاف على قضايا وضعتها في دائرة التساؤل، وحولت القضية الفلسطينية إلى هامش صغير في الاهتمامات الدولية بدلاً من أن تعلن حيادها، وتطرح كل الأبعاد بالممكن والمستحيل، لا الذهاب إلى ما فوق الواقع، مما أضعف الجبهة الفلسطينية برمتها..

فلا فتح والسلطة قاومتا الضغوط الاقتصادية والسياسية وتوسيع المستوطنات، والمماطلة بأي حل، ولا حماس كسبت من مؤيديها وحلفائها ما مكنها من أن تكون القوة المقابلة لإسرائيل، ولذلك ضاع الجميع في إدراك النتائج المدمرة من خلافاتهم واتساعها..

القيادتان الفلسطينيتان بكلا الجانبين مدعوتان أن يكونا الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني، ولتنشأ في ظلهما أحزاب ومنظمات تنسجم مع الخط العام على القضايا الأساسية وتبتعد عن المسائل الخلافية لأن إعادة الثقة بالقضية تحتاج عمل سنوات طويلة لما خربته الخلافات والنزاعات..

فما يجري بالساحات العربية منذ التنظيمات اليسارية والقومية ثم الدينية وما تبعها من تمزق عربي شامل، كان من المفترض أن ينأى الفلسطينيون عنها، ويصالحون الجميع طالما هناك من يخدم قضيتهم ويدافع عنها، بدلاً من التشرذم خلف دول كان لها غايات بعيدة عن قضيتهم بل تحويلهم أدوات لمشاريعها ومصالحها، ولعلنا نذكر إيران مثلاً التي تبنت تدمير إسرائيل، وإنكار المحرقة، كيف أن يهودها يحظون بامتيازات لا يحصل عليها اليهود داخل إسرائيل، ولا كيف الاعتذار عن كل ما بدر من نظام نجاد، أي أن البعد السياسي في المصالح لا يقاس على المواقف والأقوال العاطفية، ولذلك لم نجد من يستنكر على إيران تلك المواقف، ومثلها غيرها من حصر القضية بشعاراته ونداءاته تصفية إسرائيل في الوقت الذي تجري خلف الأنظار مشاريع واتفاقات مصالحة وعدم اعتداء تعاكس كل ما يظهر على الساحة ويقال للرأي العام..

الفلسطينيون لا ينقصهم الوعي، ولا التجربة السياسية والنضالية، وإنما سعيهم لتشتيت قضيتهم، والآن يخضعون لاختبار حسن النوايا والعمل كشعب وقيادة واحدة حتى لا يخسروا ما بقي لهم من مكاسب واعتبارات إنسانية..