عبدالله اسكندر

سيكون تنفيذ حكم الإعدام بالمئات الذين يحكم عليهم القضاء المصري بهذه العقوبة القصوى، خارج أي تصرف عادل أو عاقل. ويحيط الشك أصلاً في أن تكون هذه الأحكام تستند إلى أدلة جنائية دامغة على قيام جميع هؤلاء المتهمين بما ينسب إليهم، باستثناء أنهم من أنصار جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; ومن مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي.

وقد تكون المحكمة استندت إلى القرار الحكومي الذي يصنف laquo;الإخوانraquo; جماعة إرهابية، ويصنف أعضاء هذه الجماعة وأنصارها بين الإرهابيين الذي في حال إدانتهم بهذه التهمة تكون العقوبة القصوى من نصيبهم. ولذلك تكون شبهة أن هذه الأحكام سياسية تتغلب كثيراً على شبهة أنها صدرت بالاستناد إلى أدلة جنائية.

ليس القصد هنا الدفاع عن أي متهم تدينه الأدلة المادية القاطعة بالإرهاب، وليس نفي إمكان أن يكون عضو في laquo;الجماعةraquo; أو من أنصار مرسي متورط بالإرهاب، فهذه مسألة تحددها التحقيقات الجنائية. وليس القصد الانتقاص من حق المحكمة في إنزال الحكم الذي تراه مناسباً بالذي تدينه الأدلة، بعد محاكمة تحترم فيها حقوقه، خصوصاً حق البراءة حتى إثبات التهمة.

لكن الطابع الجماعي للأحكام هو الذي يجعل، تقنياً، من المستحيل احترام أصول المحاكمات والمرافعات، ويجعل أيضاً جميع الواردة أسماؤهم في القضية في سلة واحدة من دون تفريق بين من يقع تحت طائلة القانون الجنائي ومن ورد اسمه في لائحة الاتهام بسبب انتمائه السياسي، ما يجعل الشكوك تحيط بمدى العدل الذي يفترض أن تحرص أي محكمة عليه لدى إطلاق أحكامها.

وكما أن القضاء ينظر في المسؤولية الشخصية لفرد متهم، تعكس الأحكام بالجملة، والتي تتجاوز المئات في جلسة واحدة يصدرها قاض واحد، موقفاً سياسياً أكثر بكثير من كون الأحكام تنطلق استناداً إلى هذه المسؤولية الفردية أساساً للعمل القانوني والعدل.

ثمة سؤال يتعلق بتوقيت هذه المحاكمات والأحكام المرتبطة بها مع بدء الحملة لانتخابات الرئاسة التي تقاطعها الجماعة ترشيحاً واقتراعاً. فـ laquo;الإخوانraquo; ما زالوا يصرون على أن مرسي هو الرئيس الشرعي، وأن ما جرى منذ عزله مجرد باطل، دستورياً وقانونياً. ربما يُراد من هذه الأحكام التأكيد على أن استمرار رفض خريطة الطريق التي انطلقت مع عزل مرسي ووصلت إلى مرحلتها الأخيرة من انتخاب رئيس جديد، عاقبته كبيرة، بما يجعل القضاء أداة في الصراع السياسي الداخلي، بغض النظر عن أطرافه.

وكما في قضية laquo;الإخوانraquo; استند القضاء المصري إلى قرار حكومي يتعلق بمنع التظاهرة للحكم بحظر العمل السياسي لحركة شبابية كان حضورها أساسياً في كل مراحل التحركات، منذ انطلاق حركة الاحتجاج على حكم الرئيس السابق حسني مبارك. وكما في الأحكام على أنصار مرسي، جرى حظر الحركة لمجرد أن قياديين فيها عارضوا الموقف الحكومي من التظاهر، فاختلطت المسؤولية الفردية والشخصية بالمسؤولية الجماعية.

وقد تنطوي مثل هذه الأحكام على خطورة أكبر وأعمق إذا أريد منها البت بكل القضايا السياسية الخلافية في مصر، خصوصاً قضية laquo;الإخوانraquo; والحريات العامة التي تعبر عنها 6 laquo;أبريلraquo;، قبل أن يتولى الرئيس المقبل مهمات منصبه، متخففاً من أعباء التعامل مع هاتين القضيتين فائقتي الحساسية.