نقولا طعمة

زار مندوب الجامعة العربية الدائم السابق الدكتور كلوفيس مقصود العاصمة اللبنانية بيروت، وأجرى فيها أنشطة ولقاءات عدة، ووقع آخر كتاب له quot;من زوايا الذاكرةquot;، ورغم ضيق وقته، خص quot;الخليجquot; بمقابلة تناول فيها صيغة تجدد ثوابته بالوحدة العربية، وقناعته الراسخة بالقومية العربية، وأسس النهوض بها .


وأطلق مقصود في مقابلته، وفي كتابه، ثابتة quot;العروبة هي نحن ونحن هيquot;، داعياً إلى عودة مصر عن معاهدة الصلح مع quot;إسرائيلquot; لكي تستأنف دورها في الوصل بين المشرق العربي ومغربه . وشدد على أن الوحدة لا تعني بالضرورة الوحدة الاندماجية، ولا تقوم على نزعة عنصرية، بل على مبدأ إنساني يكرس الديمقراطية والحرية للعرب .
استهل مقصود كلامه عن العروبة بشعاره quot;هي نحن ونحن هيquot;، مضيفاً: quot;لا نستطيع أن نتخلى عنها لأننا نصبح في حالة ضياع . وما هو حاصل اليوم شطط كبير، صار لزاماً أن يكون منظماً في إطار واضح يجمع الجماهير العربية، ومع مرجعية تستطيع توجيهها .


وربط كلوفيس بين ما هو كامن وما هو متوافر من العروبة، فقال: quot;هناك وجود، وهناك نقص . الوجود أن الشعب العربي يشعر بالوحدة إلى حد كبير جداً رغم الانقسامات، وأكبر دليل أنه عندما حصلت الانتفاضة في تونس، تمثل التجاوب العربي بالتحرك الشعبي في ليبيا ومصر، وتأثرت فيه العديد من الأقطار العربية . كان هذا دليلاً واضحاً على أن الوحدة العربية متجذرة في الشعب، والشعور العربي الموحد قائم . ولكن هناك العديد من التحديات المزمنة التي أفرزت بعض الانعزاليات في مختلف الأقطار العربية مستندة إلى تاريخ ما . كان هناك استعمار فرنسي وبريطاني، وإيطالي وسواه شكل عائقاً مهماً، ولكن هناك وحدة كامنة في الشعوب العربيةquot; .
وتابع مقصود معلقاً quot;لا مصير للعروبة إلا باتحاد ما يوفر اكتمال القومية، ويجعل الأمة غير معرضة لسرعة العطب . ولكن هناك معوقات أساسية أهمها اتفاقيات الصلح مع quot;إسرائيلquot;، وأكبر دليل أنه عندما بدأت بوادر مصالحة بين غزة والضفة مؤخراً، قررت quot;إسرائيلquot; وقف المفاوضات لأنها تريد الاستفراد . وثانياً، القضية الفلسطينية رغم أنها أصبحت إلى حد ما منفصلة، ولكن الشعب العربي متصل فيها، متصل بإرادتها وبحقوقها، وبمصيرها . عندما تستقيم المرجعية للأمة العربية، عندئذ، يصبح هناك إطار ينظمها، ومرجعية توجههاًquot; .


وتناول مقصود الأسس التي تربط العروبة والإسلام، ودور الإسلام السياسي في اهتزاز مفهوم القومية العربية، فقال إن quot;هناك عوائق كثيرة خاصة عندما طرح الإسلام السياسي نفسه بديلاً للقومية العربية، عندئذ حصل اهتزاز، ونوع من الفوضى . فالعروبة هي حاضنة الإسلام، والإسلام هو المكون الرئيسي للحضارة العربية، ولا يمكن فصل الواحدة عن الأخرى، ولكن عندما حصل الانفصال، وجد الإسلام نفسه من دون الحاضنة . ووجدت العروبة نفسها من دون الحاضنة المطلوبة، ومن هنا نعيش اليوم في هذه الدوامة التي علينا أن نعالجها بدقة وموضوعية، وبسرعة وليس بتسرعquot; .
وتوقف مقصود عند تأثير نكبة 1948 في العروبة، فرأى مؤثرات وتفككاً من مخلفات الاستعمار في كثير من الدول العربية، وكانت هناك انتدابات مختلفة، بريطانية أو فرنسية أو سوى ذلك، ساهمت في تفكك العالم العربي، ولكن كانت هناك أمور فكرية تجاوب معها الشعب على أساس أن العروبة هي الحرية . وعليه، نحتاج إلى إعادة النظر في المفاهيم العقائدية للقومية العربية حيث يجب أن ترتبط فكرة القومية العربية بمشروع ديمقراطي، وبمشاريع تنمية إنسانية مستدامة، وبتنسيق ملزم في مرحلة انتقالية بين الدول العربية .


ولفت مقصود إلى دراسة أصدرتها quot;الأسكواquot; منذ أيام قليلة عنوانها quot;التكامل العربي سبيلاً لنهضة إنسانيةquot;، ووصف التقرير بquot;المهم جداً ويبين أن الوحدة العربية يمكن أن تكون من دون نزعة اندماجية، لكن في التنسيق الملزم للتكامل، وضمن الإمكانات المتوافرة إذا توفرت الآليات الفكرية والثقافية، وسواهاquot; .
وتابع شارحاً موقفه من زاوية الدراسة، قائلاً: quot;ليس من الضروري أن تكون الوحدة اندماجية، والأهم أن تكون العروبة مواطنة، وكل من ينتمي إلى هذه الأمة طوعاً هم مواطنون عرب من أصول مختلفة . لذلك حدث أن كان هناك خطاب عربي يؤكد عرقية العروبة، لا يصح ذلك . نحن بصدد التكامل العربي كما يرد في التقرير . وفي مذكراتي، قلت هناك عثرات، وتحدثت عن الثوابت التي لا تتغير، وجدلية العلاقة بين الثوابت والمتغيرات التي تقتضي أن يكون التوجيه منفتحاً، أي أن تكون العروبة نهضة إنسانيةquot; .


عن الظروف المطلوبة لتحقيق العروبة في نهضة إنسانية، قال: quot;الأهم، أولاً، أن لا نستقيل من العروبة، وأن لا نتشاءم من مستقبلها . الناس يتساءلون عن إمكانية قيام الوحدة العربية الآن، والتشخيص السلبي إلى حد كبير قائم، والبعض منه حقيقي، ولكن تجابهه إرادة تبدو مكبوتة في هذه المرحلة . ثانياً، الطريق الأساس هو أن تنفك مصر من لعبة الخانق لدورها التي هي المعاهدة مع quot;إسرائيلquot;، فالمعاهدة هي المكبل الأساسي للدولة الكبرى الأم لهذه الأمة . وهناك إمكانية للتفلت من المعاهدة بالتأكيد . عندما تظهر صور جمال عبد الناصر في حملات كل المرشحين في مصر، فهذا يعني أن هناك الحنين للكرامة الوطنية والقومية، فمثل نكبة فلسطين هناك نكبة معاهدة الصلح، وأنا عندما كنت سفيراً لدى الأمم المتحدة أعرف حجم الإشكالية التي سببتها المعاهدة لي . وثالثاً، فلسطين تبقى القضية التي نشعر تلقائياً بالغبن الذي لحق بها، كتمهيد لغبن دائم يلحق بنا . أعتقد أن فلسطين يمكن أن تشكل إعادة توجيه البوصلة نحو وحدة عربية جديدة . خاصة إذا سرع انفكاك مصر عن المعاهدة لأن مصر هي ملتقى المغرب والمشرق العربي، وهي التي تجسد فيما بينهما وتوفر الصيغة التي تكون إحدى المرجعيات، لذلك مصر تبقى المشكلة العالقة فلا نستطيع أن ندعمها ولا نستطيع أن نتخلى عنهاquot; .
وأردف قائلاً: quot;نحن الآن في مرحلة الانتكاسة العربية، ولكن ليس إلى أية غيبوبة لها لأنها حقيقة، وليس هناك فك ارتباط بيننا وبينها، فنحن هي وهي نحن . قد تحدث نكسة أو نكبة، أو أية مشكلة، لكن هناك بوادر العودة التلقائية من خلال اكتشاف أنه إذا لم نكن عرباً في العراق، أصبحنا سنة وشيعة وكرداً هناك، وإذا لم تكن هناك عروبة في سوريا، يسترخص الإنسان، وإذا لم تكن هناك عروبة في ليبيا، تتجه ليبيا إلى مزيد من التفكك وفقدان المناعةquot; .
وقال، متابعاً: لذلك، أنا أحيي صمود الشعب الفلسطيني، والأجيال الجديدة القائمة التي تدرك في وجدانها أن المواطنة تأتي من خلال العروبة . فمثلاً، لبنان، بالمعنى الدقيق، ليس وطناً وإنما هو إطار للطوائف سياسياً . وتساءل: quot;كيف نحوله إلى وطن، وكيف نحول الوطن والناس من الجنسية الطائفية إلى المواطنة؟ لبنان يتغير واقعه بالوحدةquot; .

قبول التباين ورفض التضاد

ثم تحدث مقصود عن احتمالات الوحدة العربية، فقال: quot;لا أريد القول إنها ستتحقق قريباً، لكن في جزء كبير منها يمكن أن يتحقق في المدى المتوسط، وأعتبر أن المستقبل هو لعروبة يكون فيها تعريف المواطنة من دون الرجوع إلى عناصر الانقسام . وهنا علينا أن نعالج المناعة العربية، ضد النتوءات التي تحدث، وضد الخلاف المذهبي . فإذا كان التباين مقبولاً، فالتضاد ليس مسموحاً . من هنا أعتقد أن المطلوب هو الوعي، وتفعيل هذا الشعور بالعروبة، ومضامين كتاب التكامل العربيquot;، وإعادة الاعتبار لوحدة الثقافة، ووحدة اللغة . ليس من مانع أن نحكي بلغات أخرى، لكن اللغة السائدة هي لغة الأمة، وهناك ضرورة للانفتاح .
وفي ختام حديثه، تطرق مقصود إلى مفاعيل العولمة، وتأثيرها في الوحدة العربية، وقال: quot;اليوم نواجه عولمة، ومن جهة ثانية هناك تفكك فيها، وإذا فهمنا التناقض بين العولمة والتفكيك عندئذ نستفيد من واقع العولمة، ويمكننا أن نعزز الوحدة . بعد نضوج العولمة تفككت المنظومة الشرقية، والاتحاد السوفييتي، ونحن لم تكن عندنا المناعة أن نحمي كرامة وحرية الإنسان العربي . علينا اليوم في تناقض الموقف بين العولمة ومظاهر التفكك فيها أن نعيد للإنسان العربي مفهوم الكرامة التي لا يوفرها التبعثر القطري، إنما توفرها المواطنة العربيةquot; .