عبدالله جمعة الحاج

في تصريح مثير لاستغراب المراقبين، قال أحد القياديين من التيار الإسلامي السوداني المقربين من الدوائر الرسمية الحاكمة إن السودان مهدد بفتنة طائفية بسبب انتشار التشيع على أراضيه، وبأن المعتقد آخذ في الانتشار، وإذا لم يتم احتواء هذه الظاهرة فإنها ستجر البلاد نحو الخطر. الغريب في الأمر أن الجهات السودانية المختصة تعلم بقيام إيران بنشر المعتقد الشيعي ولا تُحرك ساكناً للتصدي لما يحدث، دع عنك جانباً وجود معلومات تشير إلى أن مسؤولين ضمن النظام الحاكم يعجبون بالأفكار الشيعية وربما يعتنقونها. ورغم أن ذلك غير مؤكد، ولا يمكن احتماله في جماعة تقول عن نفسها إنها تنتمي إلى laquo;الإخوان المسلمينraquo;، فالتشيع وفكر laquo;الإخوانraquo; لا يمكن أن يجتمعا في شخص واحد، إلا إذا كان يوجد في المسألة شيء من الهرطقة غير المفهومة التي قوامها المصالح المادية.

المهم أن الشخص المصرح لم يشر إلى أسباب انتشار التشيع في السودان حالياً بحيث زاد عدد الشيعة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي حتى الآن عن 130 ألفاً، لكنني أميل إلى ربط ذلك بالأسباب الاقتصادية والأحوال المعيشية القاهرة التي أوصلتهم إليها السياسات المتبعة حالياً في السودان والحروب والأزمات وانشطار القطر رسمياً إلى دولتين. إلى غير ذلك من مآسٍ وأزمات يعاني السودانيون منها الأمرين.

قال الصحابي عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه لو كان الفقر رجلاً لقتله. ويبدو أن إيران وجدت لها مدخلاً مناسباً لنشر التشيع في السودان بسبب ما يعاني منه أهله حالياً من ظروف صعبة أوصلت الكثيرين منهم إلى مستويات معيشية باتوا معها مهددين بالجوع.

وهنا فإن الأطراف التي تستطيع فعل شيء في مواجهة ذلك غائبة، أو هي مغيبة بفعل فاعل عن الساحة السودانية بما في ذلك دول ومواطنو مجلس التعاون الخليجي التي تستطيع التصدي لمثل هذه الظواهر ولها تجارب فيها، أضف إلى ذلك الدول العربية والإسلامية الأخرى التي لو اجتمعت مؤسساتها الأهلية وسلطاتها الرسمية للتصدي لهذه الظاهرة لنجحت، لأنه يوجد إيمان يقيني بأن السودانيين الشرفاء حريصون على مذهبهم، ولا يرغبون في التخلي عنه إلا وهم مجبرون ومقهورون.

والمهم في الأمر أن إيران لا تسعى إلى نشر التشيع في السودان لأجل عيون السودانيين أو محبةً فيهم لضمهم إلى صفوفها، أو أنها تنطلق من فراغ، ولكن لديها أجندات سياسية واستراتيجية محددة تسعى إلى تحقيقها على حساب سلامة المجتمع السوداني وبقاء صفوفه مرصوصة، ولا يعاني من أية انقسامات مذهبية جديدة طارئة عليه. فهي أولاً، لديها هدف استراتيجي عميق الأبعاد، وهو تطويق الأراضي السُنية في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، وتحديداً مصر انطلاقاً من الأراضي السودانية بحزام شيعي. وثانياً، هي تريد أن يكون السودان بوابتها الرئيسية للانتشار مذهبياً في الأعماق الأفريقية، وربما أن هذه مسألة لا يتم الإفصاح عنها علانية حالياً لأسباب تتعلق بالإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية والتكتيكية، التي تدعم مثل هذا الانتشار، لكن المصادر المستقاة من السودان تشير إلى مثل هذا الهدف الإيراني، ولو على استحياء في المرحلة الحالية. وثالثاً، تريد إيران أن تكون لها قاعدة وموطئ قدم في شرق أفريقيا والبحر الأحمر تستطيع من على أراضيها أن تقوم بتصدير الأسلحة التي تقوم بإرسالها إلى عملائها في شتى المناطق التي يتواجدون فيها في الجوار الجغرافي للسودان تكون قريبة منهم، بعيدة عن الأراضي الإيرانية. وربما أن الغارة الجوية الإسرائيلية على أهداف محددة في الخرطوم قبل عدة أشهر بطائرات كانت laquo;أضواؤها مطفيةraquo; جزء يعزز من هذه الفكرة.