سكينة المشيخص

القانون معيب في فكرته التشريعية والمذهبية، وتمسحه بالإمام جعفر الصادق محاولة ساذجة لإمضائه في الوسط الشيعي دون إدراك للعواقب التي تترتب على إقراره في الوقت الذي يفتقر فيه إلى رأي المرجعيات الشيعية والتطابق القانوني مع أصول القانون الإنساني الدولي

&


إنتاج التطرف لا يحتاج إلى جهد استراتيجي عظيم، أو ممارسة تسلل قبيح بأفكار خبيثة إلى عقول الناس، وإنما يكفي قليل من الغباء العقدي لسن قانون وكتابة ديباجته ومسودته بمداد أسود كالفكرة والبنود والزعم بأنه ذو مرجعية مقدسة ربما تنتهي إلى آل البيت على نحو ما حدث في العراق أخيرا بإصدار قانون للأحوال الشخصية تم اصطلاحا وسمه بالقانون الجعفري لإضفاء صبغة مذهبية على تفاصيله القانونية المنظمة للحياة الاجتماعية لطائفة بعينها دون طوائف المجتمع العراقي الأخرى.
ذلك القانون يصادر بداهة تنظيم الأحوال الشخصية للطائفة الشيعية، ويعزلهم بصورة مقننة عن النسيج العراقي الكلّي، ويقدم صورة مأساوية قاتمة للتمييز الطائفي في مجتمع متعدد، وفي الوقت الذي لطالما ظل الشيعة ينادون ويطالبون فيه بحقوقهم، المدنية والسياسية، يحصلون في الخاتمة على تشويه تشريعي ومسخ قانوني كهذا يفسد حياتهم ويرسخ الطائفية بين العراقيين، ذلك أشبه بمطالبة الإسبان عقب الحرب الأهلية ببرلمان ينظم الفوضى الوطنية، فكان أن حصلوا في النهاية على سيرك برلماني هزيل.
وفي الواقع لا علاقة للقانون بالإمام جعفر الصادق، وليس له امتداده المذهبي الذي يستند إلى الرأي المرجعي الفصل في تثبيت بنوده والاحتكام إليها كتنظيم لشؤون وأحوال الطائفة الشيعية بدليل أن مكاتب مراجع الدين الأربعة في النجف أكدت أنها لم تطلع على القانون، وبالتالي ليس هناك عمق مذهبي في القانون وإنما يأتي على هوى من طرحه وصاغه دون رؤية دينية أو سياسية، وغياب الرأي الديني للمرجعيات يعني تأسيسه للفوضى الطائفية وتقنينها، أما غياب الرأي السياسي فيعني المحاصصة الدينية وتقسيم العراقيين على ما هم عليه من تشتّت.
قبل القانون الأخير لم يكن للطائفية أن تمتطي ظهر قانون لتفرض نفسها، وإنما هي فكرة مائعة في ضمائر العراقيين بحسب انفلاتهم الإنساني والعقدي، لأنهم كانوا في السياق الاجتماعي يتزاوجون دون اكتراث منهم بالمذهبية، أما هذا القانون فإنه في بند فيه يعمل على إنهاء زواج الطوائف كأن يتزوج الشيعي من السنية والعكس، حيث احتشد القانون بتعقيدات ومعطلات كثيرة لهذا الزواج الذي يفترض أن يحقق التمازج ويلحم المجتمع ويربطه لا أن يفرقه ويجعله طوائف تقاتل بعضها، وتريق وحدة المجتمع العراقي بقوانين حمقاء ومتطرفة كهذه.
القانون معيب في فكرته التشريعية والمذهبية، وتمسحه بالإمام جعفر الصادق محاولة ساذجة لإمضائه في الوسط الشيعي دون إدراك للعواقب التي تترتب على إقراره في الوقت الذي يفتقر فيه إلى رأي المرجعيات الشيعية والتطابق القانوني مع أصول القانون الإنساني الدولي، وهو إلى جانب تشريعه للطائفية يقضي على جوانب عظيمة لحقوق الإنسان حيث يسمح بتزويج فتيات لا تتجاوز أعمارهن تسع سنوات دون النفقة عليها، وحتى لو أنفق عليها فهناك كثير من الأضرار التي تترتب على هذا الزواج، في وقت يتزايد فيه تزويج الصغيرات دون سن الثامنة عشرة، فما الذي يتبقى للمرأة والطفل العراقي إذا كانت حقـوقهما تهـدر نظاما وقانونا على هذا النحو؟!
كثير من العيوب الحقوقية والتشوهات العدلية يمكن إدراكها في هذا القانون الذي يعتبر جريمة سياسية ومذهبية وأخلاقية وإنسانية تتطلب المراجعة، ليس لإصلاحه وإنما لإلغائه حفاظا على سلامة الوطن العراقي من الطائفية وإعادة كرامة وحقوق المرأة والطفل، حيث يركز أيضا في أحد بنوده على حرمان الأحفاد والأسباط من ميراث جدهم أو جدتهم في حالة وفاة والدهم، وبذلك فإن كل شيء ضائع في هذا القانون، وأول ذلك العراق، وتقديم أحد أسوأ التجارب الحاكمية التي يتمتع بها الشيعة بسلطة سياسية ينبغي أن تجعلهم يقدمون نموذجا للحكم الرشيد والمجتمع المثالي الذي يتوافق مع روح المذهب لا أن ننتهي إلى مثل هذه الفوضى وتكريس الطائفية بصورة يتواضع عن ابتكارها أسوأ المجرمين بحق الشعوب والمجتمعات.

&