هديل عرجة

&


هكذا هي الحرب يرحل أصحاب المصيبة وينزحون رغماً عنهم، ليحط أشخاص أقدامهم بين الدمار وتحت نيران القصف، عناوين وتقارير كثيرة ذكرت عن وجود من يهوى سياحة الحرب.

هناك من يطمح بالتقاط صورة تكون سبباً في حصوله على جائزة للشجاعة في بلده، ومنهم من يجد في القتال رسالة تقربه من ربه، وفي نهاية الأمر لغات كثيرة وثقافات مختلفة يمكن أن تصادفها في سورية اليوم.

ربما لم تتوقع «ميو سوزوكي» أن تكون الحرب بهذه الشراسة على حد وصفها، بسبب ما شاهدته من دمار في المناطق التي زارتها، فالفتاة اليابانية التي لم تتجاوز الرابعة والعشرين من عمرها قطعت مسافات طويلة لتعيش مع عائلات سورية تكتب عن حياة أفرادها وتتعلم لغتهم العربية، بخاصة أن التواصل لم يكن بالأمر السهل لعدم معرفه غالبيتها لغة أجنبية ولجهلها هي باللغة العربية.

«ليلى» هو الاسم العربي الذي اختارته وذلك لصعوبة حفظ اسمها الياباني بين السوريين الذين قابلتهم سواء في المدن التركية الحدودية مع سورية، أو في مناطق مختلفة من ريف إدلب والتي تقبع تحت سيطرة المعارضة السورية، ولكن في نهاية الأمر فإن لغة الإشارة كانت كفيلة بخلق تواصل بينها وبين العائلات التي أقامت عندها وتعرفها على عاداتها التي وجدتها «تشبه إلى حد كبير عاداتها كونها فتاة آسيوية» على حد قولها، ولكن المشكلة التي واجهتها كانت في «أنها يجب ألا تتحدث مع الرجال كثيراً، وألا تمشي وحدها لأن الناس هنا يولون اهتماماً كبيراً لهذه الأمور».

«شكراً ويسلمو» هما الكلمتان اللتان تعتمد عليهما «ليلى» في حديثها مع اشخاص قدموا لها الكثير وفتحوا أبواب منازلهم لها، وعن ذلك تضيف لـ «الحياة» ، «إنني أقف مذهولة أمام الكرم السوري، فهم على رغم معاناتهم وخسارتهم الكثير جراء القصف وما خلّفه من دمار إلا أن ذلك لم يمنع معاملتهم الجيدة، هذا الأمر يجعلني أشعر بالذنب، يقدمون الكثير لي وأنا فقط أحاول نقل ما يحدث في بلدهم».

لم تكن سورية محطتها الأولى في رحلة الدمار التي اختارتها فقد جالت على عدد من الدول التي تعتبر مناطق صراع وأزمات مثل أفغانستان، ونيجيريا، وتشاد وغيرها، حتى أن هذه الجولة كانت سبباً في تغيير ديانتها واعتناقها الدين الإسلامي لأنه «أفضل ديانة ويدعو إلى التسامح» وأضافت لـ«الحياة» «إن سفري بين عدد من الدول الإسلامية لأكثر من خمسة شهور كان كفيلاً بإقناعي بهذه العقيدة واعتناقها ولقد كانت بدايتي في منطقة تقع شمال الصين».

&

هنا أكبر مجزرة في التاريخ

«مهما حاولت البحث في قواميس اللغات عن صفات للوحشية، فإنه من المستحيل أن آجد كلمة تصف هذه المجزرة التي تحصل في سورية»، بهذه العبارة أشارت «ليلى» إلى ما تمر به سورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام وأضافت «في اليابان لا يدركون حجم المعاناة والتشريد الحاصل هنا، بل إن غالبيتهم يعتقدون أن مقاتلي الجيش الحر هم وحوش أشكالهم مرعبة».

الحرب السورية التي كانت سبباً في قدوم «ليلى» جعلتها تقف عاجزة عن وصف ما شاهدته وبخاصة حركة النزوح الضخمة التي شهدتها المنطقة وعن ذلك تضيف لـ «الحياة» «السؤال الذي يجول في خاطري دوماً ماذا لو حصل ذلك في بلدي؟! بالتأكيد سأحمل السلاح بوجه من دمر منزلي وشرّدني وسأحارب من كان السبب»، ولهذا السبب فهي تعتقد أن وجود الدولة الإسلامية في سورية أمر مهم لقتال النظام لأنهم وفق وجهة نظرها «لا يمكن القول إنهم سيئون أو ليس لهم دور في مقاتلة الجيش السوري، ولكنهم بعد سيطرتهم على المنطقه الشرقية في سورية خرجوا من مفهوم الثورة وذلك لمقاتلتهم الجيش الحر عوضاً عن الوقوف إلى جانبه في وجه قوات النظام السوري، ولأنهم تجاهلوا تصريحات الظواهري الذي أمرهم بالعودة إلى العراق وإعلانهم استقلاليتهم عن القاعدة».

الحرب التي سوف تستمر سنوات طويلة على حد توقعات «ليلى» لا تشير إلى أي طرف ستميل كفة الميزان فيها، فخلال تواجدها في ريف إدلب شهدت حالات مختلفة من قصف بالبراميل المتفجرة والسيارات المفخخة بالإضافة إلى القنابل الكيماوية التي تحتوي على غاز الكلورين كل هذه الأمور تؤكد «قوة النظام السوري» ولكنها تتمنى «أن ينتصر الثوار».

لم يُثر المسلحون غير السوريين رعب «ليلى» على عكس الكثير من الأجانب الذين يخشون الوقوع بين أيديهم، لأنه بالنسبة إليها من الصعب تعميم أفكار سيئة عن الجميع لأخطاء فردية ارتكبها بعضهم، وبخاصة أنهم اليوم يقاتلون مع الجيش الحر وجبهة النصرة.

مشاهد مؤلمة كثيره عاشتها «ليلى» مع العائلات السورية ولكن أكثر ما لفتها هو قدرة السوري على التأقلم مع الحرب وتسخيره مهارات مميزة في مجالات مختلفة، وعن ذلك تقول «قابلت المهندس الذي أصبح مقاتلاً، والطالب الذي ترك جامعته وعمل في مجال التمريض، والأب الذي اختار أن يترك كل شيء خلفه للوقوف في صفوف القتال الأمامية، تحزنني فكرة أن لديهم حياة رائعة كانوا يعيشونها ولكنهم حرموا منها بسبب الحرب».
&