زهير الحارثي


يبدو أن هذا هو الواقع وإن بدا قاسياً ومقلقا ولكن لأن هناك عدة قراءات وآراء وتصورات وصلت إلى قناعة في أن المشهد يتبلور ويسير إلى صورة مظلمة لما قد يحدث من تداعيات وأحداث. وهي مرحلة فاصلة نعيشها الآن في المنطقة على خلفية المتغيرات الإقليمية والدولية، ومليئة بتحولات واستحقاقات مختلفة عما واجهته دول المنطقة من قبل.

&ورغم تسليمنا بعدم وجود حقيقة مطلقة، ولذا فهذه القراءة ما هي سوى حقيقة نسبية بناء على المعطيات. وما يرسخ هذا الشعور هو استقراء الأسباب، بمعنى انه حين العودة لجذور الإشكالية نجد أن اختلال توازن القوى في المنطقة بعد الغزو الأميركي للعراق، والاختلاف الواضح في مصالح الدول الإقليمية، وعدم القدرة على التوصل لصيغة مشتركة بينها، وقبل هذا وذاك التقارب الصيني الروسي (اليسار الجديد) المؤثر وانعكاسات ذلك على طبيعة العلاقة مع واشنطن ودور كل منها في المنطقة. كل ذلك ساهم في بقاء المنطقة عرضة للتوتر والمخاطر والتهديد، لا سيما إذا ما علمنا أن إدراك توازنات اللعبة السياسية وضرورات المرحلة قضية مفصلية مبدئية في العمل السياسي.

مثلاً شاهد ما يحدث في لبنان إزاء الاستحقاق الرئاسي، فالرئيس سليمان غادر مكتبه في قصر بعبدا لتبدأ مرحلة الفراغ الدستوري بخلو منصب الرئاسة. وتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الإشكالية المزمنة للقرار السياسي اللبناني لا بد وأن يغلب عليه التأثير الخارجي، وبات اللبنانيون يتساءلون عمن عطّل المؤسسات الدستورية؟ وخطط للوصول إلى هذه المرحلة برفض أي شخصية توافقية؟ وكيف أن طرفاً واحداً في لبنان يُدخل البلاد في أزمة جديدة ومنعطف خطير؟ ويبدو أن المسألة تتجاوز موضوع منصب الرئاسة إلى ما هو أبعد من ذلك، فما يحدث ما هو إلا شرارة باتجاه تحويل ساحة لبنان ممراً لحلول إقليمية، وملعباً للتجاذب والاستقطاب. ورغم أن الحل يكمن في الحوار والتوافق وتقديم التنازلات وتغليب مصلحة لبنان على المصالح المذهبية والفئوية والحزبية، لكن أجندة القوى الإقليمية، وتحديداً إيران ونظام الأسد هما من يعقدا المشهد ولا يرغبان في الحل، ما يعني أن الأزمة ستلقي بظلالها سلباً على مقدرات البلد وتثير تساؤلاً مشروعاً حول قدرة اللبنانيين في عدم تفجير الوضع وذلك بالوصول إلى لغة توفيقية إزاء القضايا المطروحة.

أما في العراق فقد أثارت نتائج الانتخابات قلقاً لشريحة كبيرة من الشعب العراقي ودول الجوار من فوز صعب لائتلاف القانون برئاسة المالكي كونه لم يحقق أغلبية برلمانية. غير أن التشاؤم يخيم على القوى السياسية الأخرى لاستحالة تشكيل حكومة شراكة وطنية قائمة على أسس المواطنة ولذا ستبقى سماء العراق ملبدة بغيوم القتل الجماعي اليومي والتدهور الاقتصادي، وفي ظل غياب توافق عراقي وطني يستقطب الأغلبية العراقية حوله بكل تكويناته العرقية والاثنية.

كما أن المصالحة الفلسطينية لم تلبث أن تجددت بعودة دماء الحيوية لشرايينها، وتوصل الطرفان لاتفاق، وبحثا العديد من القضايا الرئيسية لكن نخشى كالعادة من انقلاب الحال وأن تعود الاسطوانة المشروخة وأسلوب التخوين، والتراشق الإعلامي، والتوقعات تشير بان التدخل الخارجي قادم لا محالة في الملف الفلسطيني ما يهدد القضية وتأثيرها في الساحة الدولية.

ولعل من يتأمل المشهد السياسي في كل من لبنان وفلسطين والعراق، يلحظ ان ثمة قواسم مشتركة ما بينها بشكل أو بآخر، فضلاً عن تكريس سياسة الأحلاف والمحاور التي تأبى أن تتلاشى بدليل تأزم الملف اللبناني وفرض الأمر الواقع في الانتخابات العراقية رغم ما شابها من تزوير وعدم نزاهة بشهادة مراقبين محايدين، وأخيراً محاولة استلاب القرار السياسي الفلسطيني . وبدا أن ثمة محوراً رئيسياً في المنطقة على ما يبدو قد استعاد نشاطه وتدخلاته لعرقلة العملية السياسية في هذا البلد أو ذاك، ما جعل التنبؤ بالمسار الدقيق للأحداث مستحيلاً.

ولذلك أتصور أن المنطقة مقبلة على مشهد يتشكل باتجاه انسداد الأفق السياسي بعد الانفراج الذي لاح في السنوات الماضية، وإلا كيف نفسر عدم تجاوب إيران مع مفاوضات (5+1) وتلكؤها في الالتزام ببنود الاتفاق وتغير لغتها وأسلوب تعاملها؟ وفي أي سياق نضع إصرار الأسد على المضي قدماً في الانتخابات الرئاسية السورية ضارباً عرض الحائط باتفاق جنيف ومستمراً في قتل شعبه بالدعم الروسي والإيراني؟ وكيف نفهم أبعاد السلوك القطري والمآخذ التي سجلت على سلوكها السياسي وعدم التزامها بتنفيذ وثيقة الرياض حتى الان؟ وكيف ترى مستقبل اليمن وقد فقدت الدولة هيبتها وأصبح الإرهاب يعيث فساداً في أرجاء البلاد متوجاً بتعاون القاعدة والحوثيين؟

صفوة القول: الملفات الملتهبة في المنطقة تسير كما يبدو باتجاه الأسوأ نظراً لتعقيدات أوضاعها الداخلية من ناحية وعودة تدخلات المحور المتشدد من ناحية أخرى، والذي يدفع باتجاه التصعيد لزعزعة استقرار الإقليم، مستغلاً نفوذه في تلك الدول ومستخدماً إياها كأوراق للمساومة والمقايضة في مفاوضاته مع الغرب والذي بدوره عزز هذا السلوك سواء بقصد أو بدونه!
&