جاسم بودي&

ربما كان الأمير الشيخ صباح الأحمد من الزعماء القلائل جداً الذين لم يتفاجأوا بانطلاق الحوار الاميركي - الغربي مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومن الزعماء القلائل جداً الذين لم يقلقهم هذا الحوار بل اعتبره جهداً داعماً لترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة.

لماذا نسوق هذه المقدمة قبل زيارة الامير المرتقبة الى طهران بعد أيام؟ ببساطة لأن رؤية هذا الرجل الذي غلب العقل على العاطفة في التعاطي مع الملفات الاقليمية أثبتت صحتها، خصوصا في ظل المواقف المتناقضة من كل حدب وصوب، والضغوط التي أحرجت الكويت وحاولت ان تجعلها تنحاز الى هذا الموقف او ذاك... الموقف الوحيد الذي انحاز له صباح الأحمد كان موقف الكويت ومصالح الكويت التي رأى ان مصالح أهل المنطقة لا تتناقض معها، وهو الخبير المتمرس في شؤون البيت الخليجي والنوخذة المحترف للابحار في الامواج الاقليمية.

ماذا يريد الشيخ صباح من إيران وماذا يريد لها؟

سيقول أمير الكويت في طهران ما يقوله في الكويت. نريد من طهران احترام سيادة الغير، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وعدم اتخاذ مواقف من شأنها زعزعة الثقة مع جيرانها، والاقدام على اجراءات اقليمية تساهم في ترسيخ الامن والاستقرار، وبناء التعاون وتقنينه باتفاقات مشتركة تشمل مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية، وحل كل المسائل العالقة من حدودية ومائية وجرف قاري وحقول مشتركة للثروات بالحوار والطرق السلمية.

ونريد لطهران ان تغلب النهج الجديد في مقاربة العلاقات الاقليمية والدولية على كل محاولات العودة الى الوراء، وان تتعاون في الملف النووي بصدق مع الهيئات الدولية المختصة، وان تحترم الاتفاقات المبرمة وتبدي مرونة اكبر في التفاوض لتحقيق خطوات افضل مع ضمانات ثابتة ومشتركة من الجانبين. ونريد لطهران ان تقتنع ان مركزها الاقليمي القوي لا يتحقق فقط بالاستعراضات العسكرية ولا بالخطاب العدائي بل بالاستفادة الامثل من ثرواتها الطبيعية والبشرية لخدمة انسانها وتنمية مناطقها المترامية الاطراف. ايران ستكون قوة اقتصادية مالية تجارية صناعية زراعية كبرى في المنطقة خصوصا اذا اثمرت الاتفاقات الحالية بينها وبين الغرب انفتاحا على العلم والتكنولوجيا واسواق الاستيراد والتصدير والتبادلات التجارية.

واذا كانت طهران استبقت زيارة الشيخ صباح بتصريح اعتبرها «مصيرية وفاتحة عهد جديد من العلاقات» فلانها تعرف ان امير الكويت يتحدث هناك بلسان كويتي - خليجي- عربي، سواء تم التمني عليه من هذه الدولة او تلك بحث ملف معين، او سواء بادر هو الى التوسط وترطيب الاجواء في مسعى منه لطي صفحات الخلاف. ولم يعد سرا الدور الذي لعبه سمو الامير في تحقيق تقارب خليجي – خليجي بداية في ما يتعلق بموضوع مقاربة العلاقة مع ايران، وفي فتح ثغرة في جدار الخلاف الايراني – السعودي، وفي حض الايرانيين على تخفيف تصريحاتهم التأزيمية في ما يتعلق بالبحرين وترك البحرينيين يستكملون عملية بناء المصالحة الوطنية بمفردهم. وليس سرا على الاطلاق ان الموقف الكويتي تجاه قضية الجزر بين الامارات وايران ينحاز الى الحوار والتحكيم لاستعادة الحقوق، وليس سرا ان الكويت عملت مع ايران وغيرها على تسهيل وصول المساعدات الى الشعب السوري في نكبة العصر التي يتعرض لها رغم التباين في الموقف السياسي من التطورات هناك، وليس سرا ان الكويت طالبت وتطالب طهران دائما بمساعدة لبنان على ترسيخ الامن والاستقرار والنأي بنفسه عن حرائق المنطقة والازمة السورية تحديداً.

ومن الطبيعي جدا ألا تكون وجهات النظر متطابقة في كل المواضيع بين الكويت وايران، لكن الثقل السياسي للكويت نابع من انها قادرة على رؤية المشهد الاقليمي والتطورات الدولية بعين مجردة لا بعين التمنيات، ومن انها باتت ساحة يقصدها الباحثون عن حلول او انفراجات في العلاقات كونها تتمتع بعلاقات جيدة مع الجميع وهي سنة لم تتخل عنها منذ عقود، ومن انها تحظى بثقة دول المنطقة والعالم في قدرتها على التعاطي مع الملفات بصمت وهدوء وايجابية، فالاستقرار الاقليمي والتقارب والمصالحات والتعاون اهداف تعتبرها الكويت في صلب مصالحها القومية والوطنية وليست مناسبات للتجارة بالملفات او الاستفادة من الخلافات.

ايران القوية داخليا، المتعاونة اقليميا، المنفتحة دوليا، المتطورة اقتصاديا... هي مصلحة كويتية.

ايران الراسمة للحدود البحرية مع الكويت والجرف القاري والمنطقة المتشاركة مع المملكة العربية السعودية... هي مصلحة كويتية.

ايران العابرة الى اتفاق دولي يرفع الحظر عنها نفطياً وتجارياً ومالياً وعلمياً وتكنولوجياً مقابل خفض وتقنين برنامجها النووي واخضاعه للرقابة والتفتيش... هي مصلحة كويتية، من دون ان ننسى ان مفاعل بو شهر أقرب للكويت من طهران.

ايران المتجددة القادرة على بناء الثقة مع دول الخليج وطي صفحة التدخلات من جبال الحوثيين جنوبا الى شمال شبه الجزيرة العربية... هي مصلحة كويتية.

ايران المختلفة في عراق مختلف، والمختلفة في سورية مختلفة... مصلحة كويتية.

وعندما نقول مصلحة كويتية بالدرجة الاولى فانما نعني ايضا مصلحة خليجية وعربية خصوصا ان عدد صفحات الخلاف في ملف العلاقات الكويتية - الايرانية هو الاقل ربما بين صفحات الملفات الاخرى، ومع ذلك فالديبلوماسية الكويتية تعتبر جرح الخليج جرحها وقوة الخليج قوتها وفرح الخليج فرحها... لا من منطلقات عاطفية فقط بل من معطيات سياسية.

صباح الاحمد سيتحدث في طهران بلسان كويتي - عربي - خليجي لا بلسان اميركي - غربي، وهو الذي يعرف اكثر من غيره ان من يبيعنا الوهم اليوم يشتري مصلحته غدا.

صباح العرب في طهران يقول... ويفعل.

&
&