&سليمان تقي الدين

دخل لبنان مرحلة شغور في موقع الرئاسة الأولى ولن تكون معالجة الأمر ممكنة في مدى زمني قريب . أظهر تعطيل جلسات الانتخاب عدم رغبة وقدرة الكتل النيابية على انتخاب رئيس يعكس حداً من التوافق ضرورياً بين المكونات اللبنانية . الانقسام العميق سياسياً والتوازن شبه المتساوي بين الكتلتين لا يسمح بإجراء عملية ديمقراطية عادية كما لا يسمح الآن بنوع من التفاهم على شخصية محسوبة على أي من الطرفين .
عملياً احتاطت الطبقة السياسية لهذا الفراغ من خلال تشكيل حكومة جامعة حتى لا يكون الخلل السياسي من النوع التصادمي . لكن حلول الحكومة محل صلاحيات رئيس الجمهورية يثير إشكالات دستورية كما إشكالات توصف بالميثاقية لجهة الموقع الخاص بالمسيحيين في معادلة السلطة . ولا بد أن أحداً يريد التسامح مع هذه النتيجة التي هي تغييب دور هذا الموقع .
فعلياً لا يريد أحد الشغور، لكنه يختاره بالتأكيد لمنع خصمه السياسي من الفوز . ولأن كلا الطرفين لا يملكان القدرة على الفوز بقواهما الذاتية، فالشغور أصبح أمراً واقعاً وسيطول إلى أن يحصل تفاهم سياسي على الرئيس إمّا من نادي المرشحين الأقوياء كما يقال وإما من خارج هذا النادي وهو المرجح تفادياً لفكرة انتصار فريق على آخر .


غالباً ما يشار إلى أن انتخاب الرئيس اللبناني مسألة يتم إنتاجها في الخارج، وهو أمر ليس على هذا النحو من التبسيط . فالرئيس المنتخب خارج مرحلة الوصاية السورية المباشرة وضغوطها هو كذلك جزء من خيارات القوى الداخلية . وهذه المرة كان يمكن أن يكون كذلك لولا أن المجلس النيابي فقد الشخصيات المستقلة منذ زمن واجتمع في جبهتين لكل منهما طموحات لترصد صراعها الطويل على خيارات البلد .
وحين راجت فكرة إعادة تكوين السلطة بين الرموز الأقوياء في طوائفهم لم يكن مستهجناً أو مستنكراً، إلا أن الأقوياء هؤلاء تصرفوا خلال العقد الأخير من التوتر السياسي اللبناني بحدة تجاه الأطراف الآخرين ولم يتركوا مجالاً للحوار والتفاهم .
فالحديث اليوم عن ترحيل الانتخابات الرئاسية بانتظار تفاهمات الخارج عملياً هو إعادة ربط المصير اللبناني بأزمات المنطقة وليس بأزمة واحدة فيها . ورغم الأجواء الإقليمية التي تتجه إلى إشكال من الحوار أو غربة فيه يبديها هذا الطرف أو ذاك، إلا أن النزاعات على الأرض ما زالت تتخذ صفة الرسائل التي يقدمها الأطراف الفاعلون إقليمياً للدول الكبرى لعرض خدماتهم في سبيل ما يعتبرونه مصالح أو أهدافاً مشتركة . أما تلك الدول الكبرى فهي في حال من الارتياح لمسارات الاستنزاف الدائرة على أكثر من جبهة وضد أكثر من طرف .
إن مشكلات المنطقة تجري على أرض المنطقة وليس على أرض تلك الدول ولا تؤثر في قواها المادية والمعنوية . هذا جوهر الموقف الأمريكي في عهد الرئيس أوباما وسياسته القائلة بعدم التورط المباشر بالحروب والتعامل معها بالواسطة والبدائل وعن بعد . فحيث لا جنود لأمريكا في ميدان القتال فذاك هو الوضع الأمثل . أما أن أمريكا تسعى إلى إقامة علاقات محددة مع بعض الدول وإعطائها مهمات في ما يسمى الأمن الإقليمي فهذا حاصل ويحصل من أفغانستان إلى العراق وسوريا .


على الأقل لم نشهد أبداً استنفاراً أمريكياً ضد تدخل أطراف مسلحة في الأزمة السورية، بل ربما سمعنا على لسان بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية أن هذا الوضع مثالي لكي يتقابل ويتواجه المتطرفون حتى الإنهاك . إما أن المجتمع الدولي يريد تحييد لبنان فكذلك أمر مؤكد من زاوية عدم فعالية هذا البلد في تغيير المعادلات وعدم قدرة المجتمع الدولي على تحمل تبعات فوضى تصعب السيطرة عليها، فضلاً عن الحاجة إلى هذا البلد كواجهة ومرآة ورئة لكثير من القضايا والملفات، فهل سيبادر المجتمع الدولي لتدارك الفراغ الرئاسي والضغط لكي يتم انتخاب رئيس أم أن ذلك ليس أولوية راهنة أمام إعادة ترتيب الأوضاع في عدة بلدان عربية أساسية تشهد إعادة تكوين للسلطة؟
الأرجح أن الأولوية لقضايا دول عربية مؤثرة في المعادلات الإقليمية، وأن لبنان أيضاً إذا جرى استنزافه سياسياً لا يؤثر سلباً في المعادلة الإقليمية . ما يلحظه اللبنانيون أن العناوين الخلافية الكبرى تراجع استهلاكها لمصلحة مشكلات اقتصادية اجتماعية تزداد حضوراً .

&