طارق إبراهيم

لي صديق يعمل في إحدى الجامعات، وهو وفق التصنيفات الدارجة في مجتمعنا يمكن تسميته بـ(مطوع) أو (ملتزم)، وأنا أسميه رجلا صالحا، صاحبي هذا يصفه بعض الأصدقاء بالمتشدد رغم أن لسانه حلو وجميل، وهو خفيف دم وصاحب نكتة، والابتسامة لا تغادر محياه، ولا أذكر مرة أنه آذى أحدا أو ظلم أحدا، بل حبه للخير وفعل الخير سمة من سماته.


نعته بالمتشدد من البعض عائد لحرصه على أن يؤدي الصلاة جماعة في المسجد دون تنازل تحت أي ظرف، وكونه لا يجامل في المسائل الشرعية لإرضاء فلان أو علان، وكونه متمسكا بشكل عام بتعاليم دينه داخل المملكة وخارجها.
صاحبي هذا أسعد كثيرا بالجلوس معه، وأفرح بمرافقته في السفر، ففضلا عن أنه مثقف ويحفظ من الشعر والأمثال والقصص ما يضفي على جلساتنا من المتعة والمرح فهو صديق يعين على فعل الخير ولديه قدرة على التحفيز في ذلك.
قبل أيام ومع بروز (داعش) وما تفعله في العراق وتسليط الضوء الإعلامي المحلي والإقليمي والعالمي على (فتوحاتها)، ومن ثم إعلانها إقامة (دولة الخلافة)، بعث لي هذا الصديق برسالتين على مدى يومين الأولى تقول: "قال ابن تيمية عن الخوارج: إنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرا من المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة".


أما الرسالة الثانية فكان نصها التالي: "قال وهب بن منبه: إني قد أدركت صدر الإسلام، فوالله ما كانت الخوارج جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاتهم، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه ولو مكن الله لهم من رأيهم لفسدت الأرض وقطعت السبل والحج، ولعاد أمر الإسلام جاهلية، وإذن لقام أكثر من عشرة أو عشرين رجلاً ليس منهم رجل إلا وهو يدعو إلى نفسه بالخلافة، مع كل واحد منهم أكثر من عشرة آلاف يقاتل بعضهم بعضا ويشهد بعضهم على بعض بالكفر حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وماله وأهله لا يدري مع من يكون، قال تعالى "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض".


صاحبي (المتشدد) يشرح لي حقيقة (داعش) ويحذر منهم ومن الانخداع بما يظهرونه من تمسكهم بالشريعة وتطبيق تعاليمها وإعلانهم قيام دولة الخلافة.


صاحبي (المتشدد) ينبه لخطورة هؤلاء على الإسلام والأوطان والأهل والمال.


ما أجمل هذا التشدد وما أجمل مثل هكذا وصف حينما يكون فاعله حريصا على سمعة الإسلام ولديه حمية على الدين وحب الوطن يملأ وجدانه.


بودي أن أبلغ عن صاحبي المنعوت بالتشدد بأنه مثال للمواطن المسلم التقي المبتسم المثقف الفقيه، وأن يتم التعميم على وضعه وحالته لأننا بحاجة ماسة لتفشي مثل هكذا حالة في مثل هكذا وضع يحيط بالمنطقة وبنا.