حسن عبدالله جوهر

اليوم وعلى مرأى ومسمع من العالم ومن كل الفصائل والقوى والحكومات تتحول الأراضي الفلسطينية إلى حقل تجارب للأسلحة الإسرائيلية بكل تصنيفاتها على رؤوس الفلسطينيين وأطفالهم ونسائهم وهم صائمون، وقد اختفى من قاموس العرب كل شعارات الجهاد والمقاومة والتحرير، بل حتى الإدانة الشفهية، وهي أضعف الإيمان كما عودتنا هذه المجاميع في السنوات الأخيرة!


منذ أيام الطفولة كنا نسمع بتحرير فلسطين من دنس الصهاينة المحتلين، وكان العالم العربي برموزه وقياداته وشعوبه يتدفق بين صدورهم هذا الحلم، بغض النظر عن مصداقية الموقف وجديته، ولهذا الغرض سميت المنظمات الفلسطينية المدعومة رسمياً وشعبياً بأسماء تدل على تحقيق هذا الأمل، فأنشأت منظمة «التحرير» الفلسطينية، والجبهة الشعبية لـ»تحرير» فلسطين، و»الجهاد» الإسلامي، وحماس «للمقاومة» الإسلامية، في دلالة على موقف موحّد بين الإسلاميين والليبراليين والمسلمين والمسيحيين والأنظمة العربية الثورية منها والملكية.


اليوم وعلى مرأى ومسمع من العالم ومن كل الفصائل والقوى والحكومات تتحول الأراضي الفلسطينية إلى حقل تجارب للأسلحة الإسرائيلية بكل تصنيفاتها على رؤوس الفلسطينيين وأطفالهم ونسائهم وهم صائمون، وقد اختفى من قاموس العرب كل شعارات الجهاد والمقاومة والتحرير، بل حتى الإدانة الشفهية، وهي أضعف الإيمان كما عودتنا هذه المجاميع في السنوات الأخيرة!


على خط مواز لهذا القمع المنهجي والرسمي لاستباحة كل ما هو فلسطيني كأرض وشعب وهوية، هناك كتائب المقاتلين والجيوش التي تجهّزت بأحدث أنواع السلاح، وبميزانيات مليارية تحارب على امتداد العالم العربي والدوائر الإسلامية المحيطة به، ممن يزعمون أنهم جندالله وجحافل الشريعة الإسلامية، ومن ورائهم حاضنة واسعة للفتاوى الشرعية وإجازات التطوع للجهاد من آسيا وإفريقيا وأوروبا، في مهمة وحيدة لهؤلاء المرتزقة هي قتل المسلمين أينما وجدوا دون تفريق بين مذاهبهم أو حتى متبنياتهم الفكرية واتجاهاتهم السياسية. الأمر مريب وغريب ومريض وعكس كل ما يمتّ للإسلام أو حتى الحس الإنساني والشعور الوجداني بصلة، فالمريب أن الجماعات الدينية المسلحة قد أنهكت كل دول الجوار الجغرافي والعمق الاستراتيجي لفلسطين، فأين سورية ولبنان والأردن ومصر؟ وما حربها اليوم؟ ومن تقاتل؟ والغريب أنه مع كل هذه الجيوش الدينية وأسلحتها وعتادها التي قاتلت ولا تزال في أفغانستان والشيشان وسورية ومصر والسعودية واليمن ولبنان والجزائر وليبيا لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل، ليس من باب الجهاد والفتح إنما كانتصار لشعب يباد ويستغيث.


والوضع المريض أن مشايخ الإفتاء لم يتركوا شاردة أو واردة بل زادوا في البدع والتلفيق على الدين فأصدروا تلك الفتاوى الجهادية للقتال في الدول العربية ونحر الأطفال والمدنيين وإعلان الدولة الإسلامية على أراضي دول قائمة لها هويتها الوطنية ومؤسساتها الدستورية، ولكن لم نرَ في المقابل أي فتوى تخص الدفاع عن الشعب الفلسطيني، ولم نسمع عن مشروع دولة في البقعة الوحيدة من العالم الإسلامي التي لا يوجد فيها دولة، وهي أرض فلسطين!
فما تفسير هذا الأمر المريب؟ وما تحليل هذا المنطق الغريب؟ وما تشخيص هذا السلوك المريض؟ هذه أسئلة مستحقة على أدعياء دولة الخلافة الإسلامية الإجابة عنها، وكشف أوجه الخلاف بينها وبين إسرائيل ناهيك عن حلم تحرير فلسطين!
&