وزير الخارجية في حوار :مبادئ التسوية الفلسطينية-الإسرائيلية غير قابل للتفاوض&

تمثل وزارة الخارجية المصرية ذراعاً أساسية للدولة تعكس سياساتها الخارجية وتطبقها، وتحمى مصالح البلاد فى عواصم صناعة القرار، ومن خلال الهيئات والمنظمات الدولية. وتوصف الخارجية المصرية على الدوام بأنها مدرسة عريقة فى الوطنية، شأنها شأن القوات المسلحة، ولكنها توظف أدواتها الدبلوماسية العتيدة لتحقيق المصالح العليا للبلاد وفقاً للأعراف الدولية.

&


وبانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، يتطلع المصريون إلى معرفة الخطوط العريضة لسياسة مصر الخارجية فى عصر جديد يقف فيه الشعب المصرى كله حارساً على مكاسب ثورتين، متطلعاً إلى علاقات خارجية جديدة مع دول العالم شرقاً وغرباً. علاقات يسودها التوازن والمصلحة المتبادلة، وتنتفى عنها أدنى شبهة للتبعية لدولة أو جهة أياً كانت، وبخاصة فى ظل التحديات غير التقليدية التى تواجه منطقتنا حالياً. توجهنا بأسئلة كثيرة إلى السيد سامح شكرى وزير الخارجية بعضها يلح بقوة على المواطن المصرى فى الداخل وبعضها الآخر يطرحه المصريون فى الخارج، وأبناء شعوب الجوار العربى والإفريقى، فكان لنا معه الحوار التالى :

&

&

&

&

&

بعد نحو شهر من توليكم منصب وزير الخارجية، كيف ترون تحرك السياسة الخارجية المصرية خلال الفترة المقبلة ؟ فى ضوء الخطوط التى رسمها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطاب التنصيب؟

&

انتهت مصر منذ أسابيع قليلة من استكمال المرحلة الثانية من خريطة الطريق للمستقبل التى توافقت عليها القوى السياسية فى يوليو 2013، بانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيساً لمصر من خلال انتخابات نزيهة ومحايدة تابعها المجتمع الدولى وأقر بنزاهتها، مما يؤكد ويبرهن مجدداً على أن مصر تمضى على مسار الديمقراطية من أجل مستقبل أفضل لأبناء هذا الشعب.

&

هذه التطورات السياسية الداخلية، وتلك المرتبطة بالمشهد الإقليمى فى الشرق الأوسط, والوضع الدولى بما يشهده من تحديات غير تقليدية, تفرض علينا بلورة سياسة خارجية جديدة تتسم بالتوازن والنشاط والفعالية وأيضاً القدرة على التأثير دولياً وإقليمياً، وذلك لتحقيق عدد من الأهداف فى مقدمتها الحفاظ على الأمن القومى للدولة المصرية خاصة فى ضوء ما تتعرض له مصر أخيرا من إرهاب بغيض يروع أمن المواطنين وسلامتهم.

&

أما الهدف الثانى، فيتمثل فى إعادة توجيه سياسة مصر الخارجية بما يحقق تطلعات الشعب المصرى وآماله، وذلك من خلال رعاية احتياجات المواطن المصرى فى الخارج سواء كان مهاجراً أو مغترباً. وفى هذا الصدد، أود التأكيد على أننى قد وجهت جميع سفاراتنا وبعثاتنا فى الخارج بضرورة إيلاء المواطن المصرى كل الإهتمام والرعاية اللازمين حتى يستشعر أن دولته لا تدخر وسعاً فى تقديم كل العون له.

&

هناك أمر آخر أود التأكيد عليه، ويرتبط بعملية التنمية الاقتصادية فى مصر، فالسياسة الخارجية المصرية تسعى بالتنسيق مع جهات ومؤسسات الدولة المعنية لدعم جهود التنمية الشاملة والمستدامة فى مصر، وهو تحد حقيقى خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الدقيقة التى تمر بها مصر حاليا، ومن ثم فان بعثاتنا فى الخارج مكلفة بالعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية ودفع مستويات التبادل التجارى لمستويات أعلى مع كثير من الدول سواء فى إطار الدائرة العربية والأوروبية وكذلك الأفريقية أو من خلال فتح أسواق جديدة وهى أمور تجرى دراستها بدقة فى الوقت الراهن.

&

كما يهمنى هنا التنويه إلى أن سياسة مصر الخارجية تتحرك فى إطار كامل من استقلالية اتخاذ القرار الوطنى داخلياً وخارجياً، وتبنى سياسة تقوم على الندية فى التعامل مع الخارج على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، والرفض الكامل لأى شكل من أشكال التدخل فى الشأن المصرى الداخلى. وأشدد على أن المواطن المصرى يجب أن يطمئن تماماً إلى أن مصر تتخذ قرارها بصورة مستقلة وبما يحقق مصلحة أبناء هذا الشعب، ولم يعد مسموحاً أبداً باتباع سياسة تتصف بالتبعية لأى دولة أو جهة خارجية.

&

فى ضوء ذلك كيف تتعامل مصر مع ما تواجهه المنطقة من مخططات تقسيم وإثارة فتن مذهبية وطائفية؟

&

بالطبع الدائرة العربية لها مكانتها المتميزة ضمن أولويات السياسة الخارجية المصرية، فنحن ندرك أن هويتنا العربية هى المحرك الرئيسى لسياسة مصر الخارجية على المستوى الإقليمى والدولي. ومصر ماضية فى مسار استعادة دورها المحورى كمنارة فكرية وثقافية فى المنطقة، فضلا عن دورها الرئيسى فى تحقيق الأمن والاستقرار فى منطقة بها صراعات وانقسامات مذهبية وعرقية وطائفية ودينية.

&

والواقع أن العالم العربى يشهد تحديات ومخاطر غير مسبوقة تستهدف النيل من الدول العربية القومية فى ظل ظواهر سلبية تتعلق بالتطرف والمذهبية، ومن ثم, فإن على مصر دور ومسئولية تاريخية بالتعاون مع أشقائها العرب لمواجهة هذه الظواهر السلبية والحفاظ على وحدة الدول العربية وسلامة أراضيها لارتباط ذلك بالأمن القومى المصرى والعربي. وبذلك، فإن مصر ستقوم بصياغة دبلوماسيتها الإقليمية لا على أساس المصالح الطائفية الضيقة، ولا تسييس للدين، بل تسعى لإبراز دورها على أساس تقديم نموذج حضارى لدولة ديمقراطية عصرية تحتضن جميع مواطنيها على أساس المساواة الكاملة أمام القانون بغض النظر عن الانتماءات الدينية والعرقية والمذهبية. وكما نتابع حالياً، تشهد المنطقة العربية تطورات ستترك بلا شك آثارها على مستقبل المنطقة بأسرها، فمازالت الأزمة السورية قائمة فى ظل غياب آفاق لأية تسوية سياسية قريبة، والأوضاع فى كل من العراق وليبيا غير مستقرة، وهناك مخططات جارية لتقسيم الدول العربية على أسس طائفية ومذهبية.

&

&

&

&

&

والجولة العربية التى تشمل الأردن والكويت ثم السعودية (جدة) لحضور إجتماعات المجلس التنفيذى لمنظمة التعاون الإسلامى تتعلق بالتصعيد القائم فى الأراضى الفلسطينية. وتأتى فى إطار التشاور مع الأشقاء العرب فى أحداث المنطقة وخاصة الوضع فى العراق ومسألة التنظيمات الإرهابية التى أصبحت تسيطر على مساحة كبيرة من الأراضى العراقية، والتوجهات فى كردستان نحو الاستقلال، والأزمة السياسية المستمرة فى عدم القدرة على تشكيل حكومة وحدة وطنية استجابة لمصالح الشعب العراقى والحفاظ على وحدة أراضيه, والمخاطر النابعة من عدم الاستقرار بالنسبة لأمن الخليج بصفة عامة, وهذه الأمور معقدة بلاشك.

&

ما هو الموقف المصرى من هذه القضايا ولنبدأ بالقضية الفلسطينية التى تراجع الإهتمام العربى والدولى بها للأسف فى ظل ماتشهده الأوضاع الداخلية فى المنطقة برغم أنها القضية المركزية؟ وكيف تكون التحركات المصرية فى ظل جمود المفاوضات والقضية بين الفلسطينيين وإسرائيل؟

&

بداية نحن نحرص على التشاور المستمر والمكثف مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية حول مختلف القضايا العربية سواء قضية فلسطين أو الوضع فى ليبيا أو تطورات الأزمة السورية أو الوضع الأمنى والسياسى فى العراق.

&

وبالنسبة لجمود المفاوضات حالياً بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، فإن هذا لا يعنى جمود الجهود التى نبذلها للحفاظ على أسس ومبادئ التسوية، والعمل على عدم التراجع عنها، والتصدى لأية محاولات ترمى إلى إعادة صياغة تلك الأسس ومن ثم فإننا نعمل على تأكيد كل قرارات الشرعية التى عبر عنها مجلس الأمن والمبادرة العربية للسلام ومبادئ التسوية التى لا يجب أن تكون محلاً للتفاوض وإنما كيفية تنفيذها هو مجال الحوار، وإلا فإن العالم كله سيُعانى من ازدواجية المعايير ومن عواقب امتهان الشرعية الدولية.

&

أما فيما يتعلق بالتطورات المتلاحقة فى الأراضى الفلسطينية، فقد أدانت مصر بكل قوة حادث خطف وقتل الفتى الفلسطينى أبو خضير من قبل مستوطنين إسرائيليين وتطالب إسرائيل بالتحقيق فى ملابسات هذا الحادث الإجرامى الذى يؤكد مرة أخرى خطورة استمرار النشاط الاستيطانى الذى يدمر كل فرص لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين, ويتناقض تماماً مع قواعد القانون الدولى واتفاقيات جنيف الأربع. وإزاء التصعيد الأخير والعنيف ضد شعبنا الفلسطينى الشقيق، سارعت مصر بتكثيف الاتصالات مع الجانب الإسرائيلى لمطالبته وبكل حسم بضبط النفس وعدم اللجوء إلى إجراءات لن تؤدى إلا إلى المزيد من التوتر والعنف, وسوف تجعل من الصعب على الطرفين احتواء الموقف من جديد فى ظل تزايد أعداد القتلى والجرحى، فضلاً عن أن دائرة العنف لم تؤد من قبل إلى تحقيق أية نتائج لأى طرف، وأنه لا مفر فى النهاية من التفاوض وصولاً إلى تسوية دائمة وعادلة وشاملة. وفى نفس الاتجاه، سوف تستغل مصر أيضاً صلاتها الوثيقة بالقوى الدولية وموقعها فى المنظمات المختلفة للتأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة لاحتواء العنف ووقفه والعمل على التوصل إلى سلام يحقق تطلعات الشعب الفلسطينى.

&

أما بالنسبة لما أثرتموه من تأثير إلحاح القضايا الداخلية على الدور المصرى نحو القضية الفلسطينية, فإننى أجد أنه من الصعب قبول الإيحاء بوجود علاقة عكسية بين القضايا الداخلية وبين اهتمام مصر بالقضية الفلسطينية، فتحرك مصر من أجل تحقيق السلام الشامل والعادل فى الشرق الأوسط وفى جوهره حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية هو من ثوابت السياسة الخارجية المصرية ليس فقط على صعيد التصريحات وإنما من خلال الاتصالات والمباحثات التى تجريها مصر على المستويات الثنائية ومتعددة الأطراف.

&

ولا بد أن أشير كذلك إلى أن معظم الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة تضع من تلقاء نفسها موضوع التسوية السلمية ضمن أولوياتها عندما تتواصل معنا لأنها تدرك قيمة وأهمية ومحورية الدور المصري، بالتالى فإن هذا الدور هو أحد محاور حركتنا الخارجية انطلاقاً من واجبنا القومى ومصالحنا الوطنية لكننا أيضاً مطالبون بالقيام به مع الأطراف التى لا تجد بديلاً عنه.

&

كيف تحركت مصر لمواجهة التصعيد فى الموقف الأخير من الجانب الإسرائيلي؟

&

مصر طالبت بضبط النفس والوقف الكامل والفوري للأعمال العسكرية التى يتعرض لها المدنيون من الشعب الفلسطينى الشقيق وبضرورة تجنب الانزلاق الي هاوية العنف والعنف المضاد التى يعانى المدنيون من ويلاتها سواء على مستوى الخسائر فى الأرواح أو الممتلكات، والجهود والاتصالات المصرية مستمرة مع الأطراف الإقليمية والدولية منذ بداية الأزمة وشهدت تكثيفاً متزايداً بهدف وضع حد للتصعيد المتبادل والاعتداءات التى يتعرض لها الفلسطينيون. كما أن هناك مسئولية يتعين على المجتمع الدولى أن يتحملها وأن يدرك أن تقاعسه عن تسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل ودائم هو الذى قادنا وسيقودنا مجدداً إلى ذات النقطة إذا لم تتخذ خطوات جادة وملموسة لضمان استئناف المفاوضات فى اطار زمنى محدد وصولا الى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وحفاظاً على مصداقية هذه القرارات.

&

وماذا عن التطورات فى ملف ليبيا وانعكاساتها على الأمن القومى المصري؟

&

لاشك أن التطورات الجارية فى ليبيا لاسيما ما يتصل منها بالوضع الأمنى تأتى ضمن أولويات السياسة الخارجية المصرية فى ضوء أن ليبيا ليست مجرد دولة جوار أو يجمعنا بها تاريخ مشترك، وإنما هناك علاقات مصاهرة ومصالح وثيقة تجمع بين الشعبين والبلدين الشقيقين. ومصر حريصة كل الحرص على مساعدة الأشقاء فى ليبيا على تحقيق تطلعاتهم المشروعة وبناء نظام ديمقراطى تعددى حقيقي.

&

وقد استقبلت منذ أيام وزير خارجية ليبيا محمد عبد العزيز وتناولت معه التطورات السياسية والأمنية الداخلية فى ليبيا، وسبل توفير الحماية الكاملة للمواطنين المصريين المقيمين هناك، كما نقلت له استعدادنا الكامل لتقديم جميع أوجه الدعم اللازم لبناء مؤسسات الدولة الليبية. كما تناولت الجهود المبذولة بين الطرفين لعقد الاجتماع الوزارى التشاورى لدول الجوار لليبيا المقرر عقده فى تونس خلال يوليو الجارى، فضلاً عن التحضير لإجتماع القاهرة الخاص بضبط الحدود بين ليبيا ودول الجوار حيث أكدت على أن مصر تقوم بالإعداد اللازم للمؤتمر المقرر عقده خلال النصف الثانى من العام الجاري، والتنسيق مع الجانب الليبى بشأن تفاصيل الترتيبات الخاصة بعقد المؤتمر.

&

وإلى جانب الاتصالات المكثفة التى تجريها مصر فى هذا الصدد، قام رئيس الجمهورية بزيارة رسمية إلى الجزائر فى إطار التنسيق المشترك بين البلدين لتعزيز الجهود الرامية إلى احتواء الموقف فى ليبيا. كما سبق وأن شاركت فى الاجتماع التشاورى لدول الجوار حول ليبيا على هامش القمة الأفريقية، وفى جميع هذه الاتصالات والاجتماعات فإن محددات الموقف المصرى تجاه الشأن الليبى واضحة وترتكز على أهمية اضطلاع دول الجوار الليبى بالدرجة الأولى بدور إيجابى والعمل على استقرار الأوضاع هناك ونبذ الانقسام بين الأطراف الليبية المختلفة، والعمل على تحقيق طموحات الشعب الليبى الشقيق لبناء دولة حديثة.

&

وماذا عن طبيعة التعامل مع المخططات الرامية لتقسيم سوريا والعراق؟

&

لقد أكدنا مراراً أنه لا مجال لحل الأزمة السورية إلا من خلال تسوية سياسية شاملة، تضمن وحدة الأراضى السورية وتحقق تطلعات الشعب السورى فى إقامة نظام ديمقراطى تعددى يعكس تنوع الشعب السورى، وتعمل على وقف نزيف الدماء على الأراضى السورية. ونحن على اتصال بفصائل المعارضة السورية ونعمل على توحيد مواقفها.

&

وبالنسبة للشأن العراقى، فإن الدبلوماسية المصرية تسعى جاهدة للحفاظ على وحدة العراق وسلامة أراضيه ضد أخطار التقسيم المذهبى والطائفي، وهو ما يتطلب منا التشاور المستمر مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية للعمل على حل الأزمة العراقية، والتعاون بين مختلف الفصائل والقوى السياسية فى العراق لإيجاد تسوية حقيقية لأيه خلافات قائمة بينها حفاظاً على وحدة العراق فى مواجهة التطرف والإرهاب. وأود الإشارة هنا إلى الاتصالات التى أجريها حالياً مع الدول العربية حول الوضع فى العراق لتبادل وجهات النظر وبلورة رؤية مشتركة تسهم فى مساندة هذا البلد الشقيق لضمان استعادة الأمن والاستقرار به، والحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه ومصلحة الشعب العراقى الشقيق.

&

&

&

&

&

إذن فالتحرك مع الدول العربية كلها مستمر ومتواصل فى إطار رؤى واضحة ومواقف ثابتة نطرحها فى المحافل العربية والدولية، وأيضاً من خلال اتصالاتنا المستمرة مع قادة المنطقة ومختلف دول العالم، فالقضية الفلسطينية وأمن الخليج والوضع فى لبنان، والصراع الدائر فى سوريا، وتداعيات القضية الكردية، والانشقاق السني-الشيعي، هى قضايا متداخلة مع بعضها البعض وتقع فى بؤرة إهتمام السياسة الخارجية المصرية إرتباطها المباشر بالأمن القومى المصري.

&

ذكرتم أمن الخليج، فماذا عن الدائرة الخليجية فى التحرك المصرى المقبل؟

&

الدائرة الخليجية تعد أحد أهم دوائر التحرك المصرى على الصعيد الإقليمي، وهذا لا يأتى فقط فى إطار العلاقات التاريخية الوثيقة التى تربط بين مصر ودول الخليج العربى أو نتيجة للدعم الكبير الذى قدمته هذه الدول إلى مصر بعد ثورتها، ولكن لأن منظومة أمن الخليج هى بالفعل إحدى ركائز منظومة الأمن القومى المصري، وسوف تشهد الفترة المقبلة جهوداً مكثفة لتعزيز أوجه التعاون بين الجانبين على جميع المستويات خاصة على المستوى الاقتصادى من خلال جذب المزيد من الاستثمارات العربية إلى مصر والعمل على الارتقاء بمستويات التعاون الثنائى المختلفة.

&

استقبلتم وزير الخارجية الأمريكى بعد أيام من تولى الرئيس مهام منصبه... كيف ترى مصر مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة؟

&

جاءت الزيارة فى توقيت مهم، ومصر تخطو خطوات ثابتة على درب تنفيذ خريطة الطريق، وبعد تولى الرئيس منصبه، وتناولت المباحثات التى جمعتنى والوزير جون كيرى وأعضاء الوفدين مُختلف القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمامِ المشترك، وأهمية حشد الطاقات والجهود نحو التصدى للتحديات والمخاطر التى تحدِق بالمنطقة، وما لها من آثارٍ وانعكاسات على السلم والأمن الإقليمى والدولي، ولاسيما الاضطرابات الخطيرة القائمة فى كلٍ من ليبيا وسوريا والعراق، بالإضافة إلى تعثر جهود السلام فى الشرق الأوسط بين الفلسطينى والإسرائيلي، وهى الجهود التى تتطلب مزيدا من الجَهد والتنسيق والتعاون والتواصل المستمر بين الولايات المتحدة ومصر.

&

كما تطرقت المباحثات إلى العلاقات الثنائية، ومختلف الملفات التى تفرِض نفسها على مجمل هذه العلاقات، وأستطيع القول إننا توافقنا على ضرورة بذل مزيد من الجهود من أجل دفع العلاقات القائمة بين البلدين بشكل يتناسب مع تاريخها الطويل الذى يتعدى ثلاثة عقود والتى ترتكزُ على تحقيق المصالح المشتركة سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، وبما يؤدى إلي تعزيز فرص البناء على العلاقات الوثيقة والمتشعبة بين قوة عالمية فى حجم الولايات المتحدة ، وقوة إقليمية فى حجم مصر.

&

وحقيقة أنه من واقع تجربتى كسفير لمصر لدى واشنطن، أتصور أن هناك حاجة ماسة إلى حوار استراتيجى جاد وواضح بين الطرفين، فكلا الطرفين يدرك مدى أهمية الطرف الآخر بالنسبة له، من جانبنا فسوف نمضى فى مسيرة التحول الديمقراطى التى بدأتها مصر وفى خضم هذه العملية فسوف نحرص على التعامل بإيجابية مع الجانب الأمريكى دونما تبعية، فنحن أصبحنا أمام شعب يعى حقوقه جيداً ولن يقبل الضيم مرة أخري، وبالتالى فهناك حاجة لإعادة بناء العلاقات فى ضوء هذه المستجدات ونحن نسعى لعلاقة مستقبلية تقوم على الاحترام المتبادل تدرك من خلالها الولايات المتحدة أن السياسة الخارجية المصرية يحددها المصريون وأنها ستتحرك دون إملاءات من أى طرف كان. وإذا كنا سنحرص على الحفاظ على علاقات طيبة مع الولايات المتحدة مادامت تستند إلى مباديء جديدة تحكم مستقبل هذه العلاقات كالندية فى التعامل وعدم التدخل فى الشأن الداخلى والاحترام المتبادل، فإن ذلك لن يمنعنا من العمل على تطوير علاقاتنا بقوى عالمية أخرى مادام ذلك يحقق المصالح المصرية.

&

وماذا عن العلاقات مع الأطراف الدولية الفاعلة مثل روسيا والصين، فضلاً الاتحاد الأوروبى ؟

&

باتت مصر اليوم منفتحة على كل القوى فى ظل تعدد مراكز القرار والثقل السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى النظام العالمي، وتتحرك مصر بشكل مدروس فى كل التجمعات الإقليمية والدولية، فالسياسة الخارجية الفاعلة لأى دولة تسعى دوماً لتنويع وتوسيع الخيارات أمامها، ومصر دولة مهمة للغاية فى محيطها الإقليمي، وما يحدث بها يؤثر ليس فقط على الشرق الأوسط والمنطقة العربية بل على دول العالم، ونحن حريصون على التعامل مع الجميع مادام ذلك فى إطار احترام السيادة المصرية وعدم التدخل فى الشأن المصرى الداخلي.

&

ومن هنا، فإن السياسة الخارجية المصرية محورها الأساسى هو كيفية تحقيق المصلحة المصرية، وهو ما يعنى أننا سوف نتحرك فى اتجاه خدمة هذا الهدف، ومن ثم فاننا سوف نتحرك تجاه روسيا وسنعمل على تعزيز العلاقات معها فى خلال المرحلة المقبلة، كما سنسعى نحو تعزيز العلاقات مع الصين، والهند واليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل وغيرها من القوى الصاعدة.

&

كما أننا ننظر إلى علاقات مصر مع الإتحاد الأوروبى والدول الأعضاء بنفس القدر من الاهتمام ليس فقط فى ضوء اتفاقية المشاركة بيننا وحجم العلاقات التجارية والتعاملات الاقتصادية وإنما أيضاً لأن هناك صلات ثقافية وحضارية وتاريخية تتمثل فى العلاقة الممتدة بين ضفتى المتوسط والذى نتطلع إلى بناء جسور للتعاون بيننا عبره على أسس من الاحترام المتبادل والندية بهدف تحقيق النمو والاستقرار والأمن، فهذه من بين أبرز الأبعاد التى ينبغى أن تتجه جهودنا المشتركة مع الاتحاد الأوروبى لتحقيقها.

&

وكيف تتم ترجمة ذلك فيما يتعلق بالسياسة الخارجية المصرية فى إفريقيا؟

&

دعنا نبدأ بالحديث عن الدائرة الإفريقية، فقد تزامن تكليفى بمهام منصبى مع عودة مصر لممارسة أنشطتها فى الاتحاد الإفريقي، وهو القرار الذى صدر بالإجماع من مجلس السلم والأمن ليؤكد اعتراف القارة الإفريقية بثورة الشعب المصري، ويتيح المجال أمام مصر للعودة مرة أخرى لممارسة دورها ومسئولياتها التاريخية داخل أروقة الاتحاد الإفريقى بل وداخل القارة الإفريقية. وأود هنا تأكيدأنه بالرغم من تعليق أنشطة مصر فى الاتحاد الأفريقى لبضعة شهور, فإن فإن مصر لم تغب يوماً عن مشاغل القارة الإفريقية وهمومها والتفاعل معها، وهناك اقتناع راسخ لدينا بأهمية هذه القارة التى تنتمى مصر لها تاريخياً وجغرافيا وثقافة ومن ثم فإن الدور المصرى فى إفريقيا كان ومازال وسوف يظل دوراً محورياً.

&

فى هذا الإطار، جاءت المشاركة المصرية فى أعمال قمة الاتحاد الإفريقى الثالثة والعشرين فى مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، واكتسبت المشاركة المصرية هذه المرة خصوصيتها فى ظل حرص السيد رئيس الجمهورية على المشاركة فى أعمال القمة وإلقاء كلمة كانت لها دلالاتها أمام رؤساء الدول والحكومات الشقيقة والصديقة، وعكست مدى ارتباط مصر بالقارة الإفريقية.

&

وبالطبع كانت هناك حالة من الترقب والانتظار لدى الدول الأفريقية بالنسبة للمشاركة المصرية فى القمة ، بإعتبارها الأولى بعد رفع تعليق مشاركة مصر فى أنشطة الاتحاد الإفريقى. وكان هناك احتفاء واضح بعودة مصر إلى الاتحاد الأفريقى، وهو ما انعكس فى دعوة رئيس الجمهورية لإلقاء الكلمة فى الجلسة الافتتاحية للقمة ضمن عدد محدود من ضيوف الشرف والرؤساء المنتخبين حديثاً ورئاسة الاتحاد الأفريقي. وكما ذكرت فإن كلمة الرئيس كان لها دلالاتها الواضحة حيث أكدت قوة العلاقة التى تربط مصر بالقارة الأفريقية.

&

وكان للقاء رئيس الجمهورية بنظرائه الأفارقة على هامش القمة أهميته، حيث أكد أن مصر تبدأ عهداً جديداً فى علاقاتها الإفريقية يعلى مفاهيم الحوار والتفاهم المشترك وتعميق الوجود المادى فى إفريقيا لتحقيق المصالح المشتركة دون المساس بمصالح أى طرف، كما حرص على التأكيد على أهمية الإرتقاء بالعلاقات الثنائية، والتنسيق المشترك لمعالجة القضايا والمشاغل الأفريقية.

&

استنادا إلى هذا, ماهى ملامح التحرك فى السياسة المصرية تجاه إفريقيا فى المرحلة المقبلة. وأين موقع الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية فيه؟

&

لا أود أن أصفها بالملامح، وإنما يمكن وصفها بأنها تمثل توجهاً جديداً لسياسة مصر الخارجية إزاء القارة الأفريقية، يستهدف إعادة تفعيل الوجود المصرى بفكر حديث متطور يسهم فى دعم مشروعات التنمية الشاملة والمستدامة، مع إيلاء الإهتمام بالشق الإجتماعى لعملية التنمية من خلال تعزيز الدور التاريخى الذى تقوم به مصر فى مجال التعاون الفنى ونقل الخبرات للأشقاء الأفارقة، وإيفاد الأطباء والمدرسين والخبراء فى مختلف المجالات. وأود الإشارة هنا إلى أنه لضمان الوجود المصرى الفعال والنشط فى القارة الأفريقية، فقد تم استحداث الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية وهى وكالة تابعة لوزارة الخارجية المصرية، وبدأت عملها رسميا اعتباراً من مطلع يوليو الجارى وفقا لأحدث قواعد العمل فى وكالات التنمية فى الدول المتقدمة استثماراً للرصيد الكبير الذى حققته مصر فى مجال التعاون الفنى وبناء القدرات وتنمية المهارات مع الدول الأفريقية.

&

ويعمل هذا التوجه الجديد فى القارة الأفريقية على توسيع نطاق الإستثمارات المصرية داخل القارة، وإعداد الكوادر الأفريقية من خلال برامج تدريبية متخصصة فى معهد الدراسات الدبلوماسية، ومركز القاهرة الإقليمى للتدريب على تسوية المنازعات وحفظ السلام فى إفريقيا التابع لوزارة الخارجية. وبالتأكيد فان الفترة المقبلة سوف تشهد حالة من الحراك الجاد لتنفيذ هذا التوجه وفق برنامج زمنى يستهدف تحقيق نقلة موضوعية فى العلاقات المصرية الأفريقية، وهو ما سوف يتطلب تكثيف وتيرة الزيارات الثنائية والاتصالات مع دول القارة. وأثق أن التنفيذ الفعلى لهذا التوجه سوف يبرز أهمية المحور الأفريقى فى سياسة مصر الخارجية، ومدى حرص مصر على تفعيل مبادئ المصلحة المشتركة.

&

أما على صعيد قضايا القارة, فمصر حريصة على إعطاء الأولويات الأفريقية الاهتمام الكافى، وتعد قضية التنمية بمفهومها الشامل مثالاً حياً على ذلك. ومع هذا، فان مصر تسعى وبجدية لصياغة مواقف أفريقية قوية فى مجالات أخرى باتت تكتسب أهمية خاصة مثل موضوع تغير المناخ. فالمفاوضات المتعلقة بموضوع تغير المناخ تمر بمرحلة دقيقة قد تخلص إلى فرض التزامات على جميع الدول سواء المتقدمة أو النامية ومنها مصر ودول القارة الإفريقية إذ سيؤثر الاتفاق القانونى الجديد فى هذا الشأن وهو مازال قيد التفاوض على جميع أوجه النشاط الاقتصادى والتجارى والسياسات الاجتماعية وهو ما يجب التحسب له، خاصة بعد أن أصبح العنصر البيئى أداة جديدة يمكن معها تقويض التجارة العالمية من خلال الدفع بمعايير جديدة صناعية أو بيئية كالبصمة الكربونية والبصمة المائية .

&

وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى عقد قمة لتغير المناخ فى 23 سبتمبر 2014 على هامش أعمال الشق رفيع المستوى للدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة والتى من المنتظر أن يشارك رئيس الجمهورية فى أعمالها، وفى كل الأحوال, فمصر لديها موقف واضح ومحدد فى هذا الشأن يطالب بأن يكون أى اتفاق جديد متسق مع أحكام ومبادئ الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ والمبنية على الإنصاف والمسئولية المشتركة المتباينة الأعباء والالتزام بمبدأ المسئولية التاريخية.

&

ما هو الإطار الزمنى المتوقع لتحقيق تلك الأهداف؟

&

بدأت الوكالة عملها رسمياً اعتباراً من الأول من يوليو 2014 وتسلم الأمين العام الجديد مهام منصبه منذ هذا التاريخ، ونسعى لتحقيق أفضل أداء وفقاً لخطة زمنية تم إقرارها، وسوف نشارك الرأى العام المصرى ما نحققه من نتائج أولاً بأول، إذ أنه هو صاحب المصلحة الأولى فى تعميق الروابط والصلات والمنافع مع أشقائه فى القارة الإفريقية، حيث الامتداد الطبيعى لاقتصاد مصر فى المستقبل المنظور.

&

القضية الأهم إفريقيا بالنسبة للمصريين هى قضية مياه النيل.. أين تقف قضية سد النهضة الأن بعد لقاء الرئيس مع رئيس وزراء أثيوبيا فى غينيا الاستوائية؟

&

أستطيع أن أؤكد، وبكل وضوح، أن ملف مياه النيل كان بالفعل هو الملف الأهم والأكثر حضوراً فى معظم اللقاءات الثنائية التى عقدها رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية على مدار أيام عمل القمة الأفريقية الأخيرة، وكان ملف مياه النيل وموضوع سد النهضة المحور الرئيسى فى كل تلك اللقاءات, ولا شك أنكم تابعتم والشعب المصرى جيداً اللقاء المهم الذى جمع الرئيس مع رئيس وزراء إثيوبيا "هيلاماريام ديسالين"، والذى اتسم بقدر كبير من الصراحة والشفافية ، وعكس رغبة جادة لدى الطرفين لتعزيز وتطوير العلاقات الثنائية، والتزاماً أثيوبياً واضحاً بعدم الإضرار بمصالح مصر المائية، يقابله تفهماً مصرياً كاملاً لإحتياجات أثيوبيا التنموية استعداداً للعمل فى شراكة من أجل تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة.

&

وكما تعلمون، فقد جاء البيان المشترك الصادر عن هذا اللقاء ليعبر بوضوح عن كل تلك المعاني، وليدشن مرحلة جديدة تتطلع فيها قيادتا الدولتين للإرتقاء بمستويات التعاون الثنائى المشترك، وفتح صفحة جديدة بين البلدين. وأكد البيان المشترك الصادر عن الطرفين والذى أعلنت عن تفاصيله فى مؤتمر صحفى مشترك مع وزير خارجية أثيوبيا وكان أهم ما تضمنه الالتزام بمبادئ التعاون والاحترام المتبادل, وحسن الجوار, واحترام القانون الدولي, وتحقيق المكاسب المشتركة والاتفاق على البدء الفورى فى الإعداد لانعقاد اللجنة الثنائية المشتركة خلال ثلاثة أشهر، والتأكيد على محورية نهر النيل كمورد أساسى لحياة الشعب المصرى ووجوده، وكذلك إدراكهما لاحتياجات الشعب الإثيوبى التنموية، فضلاً عن التأكيد على احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة وتجنب الإضرار بعضهما ببعض أعلنت إثيوبيا مؤخراً ترحيبها بالحوار الثلاثى بمشاركة السودان للتوصل إلى اتفاق بشأن مشروع السد.

&

وأضف إلى ذلك، اللقاء الهام الذى عقده الرئيس مع رئيس جمهورية تنزانيا الاتحادية، والتنسيق الذى تم على مستوى وزيرى خارجية الدولتين قبل اللقاء وبعده، والذى تطرق إلى المقترحات التنزانية المطروحة لإعادة تنشيط الحوار بين دول حوض النيل لإيجاد أرضية مشتركة تسمح بتجاوز النقاط الخلافية فى الاتفاقية الإطارية غير المكتملة لمبادرة حوض النيل.

&

ومن هنا، أستطيع أن أقول إن ملف مياه النيل وعلاقات مصر مع الأشقاء فى دول حوض النيل، يعد محور اهتمام السياسة الخارجية، وبات يحتل عملياً وضعية خاصة على سلم أولويات الدولة المصرية، وهو ما نتوقع أن ينعكس إيجابياً على تعزيز علاقات مصر مع دول حوض النيل بشكل ملموس خلال المرحلة المقبلة، وعلى حماية المصالح المائية المصرية بشكل عام.

&

وأين موقع العلاقة مع الأقطاب الأسيوية على خريطة السياسة الخارجية فى الفترة المقبلة؟

&

يكتسب توجه السياسة الخارجية المصرية نحو تعزيز الشراكة مع الأقطاب الرئيسية فى آسيا أهمية بالغة ليس فقط لما ينطوى عليه من قضايا حيوية تتعلق بتفعيل توجهنا الايجابى نحو النماذج الناجحة فى قارة أصبحت تمثل قاطرة الإقتصاد العالمى وأنجح نماذجه فى التنمية والتقدم، وإنما أيضاً لأنها تقدم نموذجاً استرشادياً يمكننا الاهتداء به فى سعينا لتجاوز الظروف الدقيقة الراهنة التى تمر بها مصر وإستبدالها بما يليق بدولة فى حجم ومكانة مصر.

&

لقد أدركت مؤسسة الخارجية المصرية ذلك وبدأت التحرك النشط بعد ثورة 25 يناير لتحقيق ما ننشده من التحرك على أساس متوازن بين مختلف الأطراف الفاعلة فى العالم وتحديد مواقع تكثيف التفاعل وفقاً لما يمكن أن نحققه من قيمة مضافة. غير أننا نعى أيضاً أن بناء شراكات قوية مع أقطاب آسيا صار هدفاً إستراتيجياً للسياسة الخارجية المصرية من أجل تحقيق اكبر إستفادة ممكنة من المقومات الحيوية التى تتمتع بها هذه الأقطاب وليس ذلك بهدف الإخلال أو الانتقاص من شراكاتنا بالقوى العالمية الأخرى التى نرتبط معها بعلاقات استراتيجية.

&

وهناك أسس ترتكز عليه الشراكة مع القارة الآسيوية أهمها أن تكون هذه الشراكة قائمة على أرضية صلبة تضمن لها النجاح والتطور، فعلى الرغم من التحديات الاقتصادية التى تشهدها مصر مؤخراً فإن الأساس الذى تستند إليه جدارة إقتصادها ظل ثابتا لم يتغير فى قوة جذبه للشراكات الاقتصادية من مختلف أنحاء العالم.

&

صدرت أخيرا مجموعة من الأحكام القضائية الرادعة والتى صاحبتها ردود فعل غربية قوية وصلت إلى حد استدعاء السفراء المصريين فى بعض الدول للإعراب عن الاحتجاج على هذه الأحكام، فضلا عن الاستغلال السيئ لهذه الأحكام للطعن فى نزاهة وحيادية القضاء المصري، فكيف تتحرك الدبلوماسية المصرية فى هذا الصدد؟

&

فور صدور الأحكام الأخيرة، وقبل اندلاع هذه الحملات الإعلامية واستدعاء بعض سفراءنا فى الخارج، بادرت بتوجيه السفارات المصرية بالخارج بالمبادرة بطلب إجراء مقابلات عاجلة مع المسئولين بوزارات الخارجية فى دول الاعتماد لطرح بيان مكتب النائب العام حول ملابسات هذه القضية. وذلك بهدف نقل حقائق الأمور بعيداً عن الصور والمعلومات المغلوطة حول هذه القضية، كما تم إمداد السفراء بالخارج بالبيان الصادر عن مكتب المستشار النائب العام وترجمة غير رسمية باللغة الإنجليزية وما يتضمنه من شرح لملابسات القضية وأوامر الإحالة والتهم الموجهة إلى المتهمين سواءً المصريين أو الأجانب، فضلاً عن نقاط حديث إضافية للاسترشاد بها خلال المقابلات لشرح جميع الأمور المتعلقة باستقلالية السلطة القضائية وما كفله الدستور المصرى الجديد من حقوق وضمانات تضمن حرية واستقلالية الإعلام، فضلاً عن إجراءات التقاضي، كما تتضمن هذه النقاط التأكيد على أن أحد المبادئ الأساسية لأى نظام ديمقراطى هو مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم جواز التعقيب على أحكام القضاء، وأن المتهمين قد تم إلقاء القبض عليهم بناءً على أوامر صادرة من سلطة التحقيق القضائية المختصة، وهى النيابة العامة، وأن إجراءات التقاضى مكفولة لجميع المتهمين وتظل لديهم الفرصة للطعن على الحكم أمام المحكمة المختصة بنظر الطعن، مع التنويه بأن جميع المتهمين تم محاكمتهم أمام محكمة عادية وأمام قاض طبيعي.

&

كما وجهت السفراء بالخارج بضرورة استغلال فرصة اللقاء مع المسئولين فى دول الاعتماد لشرح حقيقة الأوضاع وإطلاع المسئولين فى الخارج بصورة دقيقة بعيداً عن أية مغالطات أو استنتاجات خاطئة تنال من استقلالية القضاء المصري، فضلاً عن التأكيد لمسئولى هذه الدول الرفض الكامل لأى تدخل فى الشئون الداخلية للبلاد أو المساس باستقلالية القضاء المصري.

&

لماذا لم يتم تحقيق إنجاز فى ملف استرداد الأموال، وما هى رؤية وزارة الخارجية فى هذا الموضوع والجهود التى تقوم بها فى هذا الصدد؟

&

منذ 13 فبراير 2011 تقوم وزارة الخارجية بدور مساعد لجهات الاختصاص الأصيل فى الدولة وهى اللجنة القضائية لتعقب واسترداد الأصول والمنشأة بقرار المجلس الأعلى القوات المسلحة رقم 52 لسنة 2011، والنيابة العامة، وجهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل، وذلك بموافاة سلطات الدول المعنية من خلال البعثات المصرية بالخارج بطلبات المساعدة القضائية، وبموافاة النيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع بالمعلومات والملاحظات التى ترد فى المقابل من تلك الدول رداً على هذه الطلبات، مع استعجال ردود الجهات الأجنبية على طلبات المساعدة القضائية، ومتابعة الأمور بصفة عامة بما فى ذلك السعى للحصول على المساعدات الفنية المطلوبة من جانبنا، هذا وقد بلغ عدد الدول التى تمت مخاطبتها –بناءً على طلب الجهات القضائية المصرية- 80 دولة من بينها دول الاتحاد الأوروبى وسويسرا والولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي.

&

كما سعت الوزارة بالتعاون مع الدول المختلفة لاستخدام خبراتها الفنية لمساعدة الجهات المصرية المختصة فى صياغة طلبات المساعدة القضائية بالشكل الذى يجعلها متماشية مع الشروط الإجرائية والقانونية المطلوبة فى الدول المختلفة وفقاً لقوانينها كى تكون مقبولة لدى تلك الدول، وقد نجحت الوزارة فى تحقيق ذلك فى عدد من الحالات أبرزها بريطانيا التى أوفدت لدى سفارتها فى القاهرة محققاً قضائياً وآخر مالياً للتعاون مع الجهات المصرية المعنية فى هذا الصدد كما تحاول الوزارة الوقوف على المشاكل ذات الصلة ومحاولة تذليلها.

&

ويتمثل الانجاز الكبير الذى تحقق منذ بدء التعامل مع هذا الموضوع فى تجميد سويسرا حوالى 700 مليون فرنك سويسرى تخص 31 من المسئولين المصريين السابقين، وإصدار الاتحاد الأوربى قراراه فى مارس 2011 بتجميد أرصدة 19 شخصاً وردت أسماؤهم فى طلبات المساعدة القضائية يجدد سنوياً.

&

وللأسف، فقد شهد التعاون مع سويسرا تراجعاً فى ديسمبر 2012 بعد قرار المحكمة الفيدرالية بتعليق العمل بالقرار الذى كانت السلطات السويسرية اتخذته فى مايو 2012 بإدخال مصر كطرف يحق له الإطلاع على المعلومات المتصلة بالتحقيقات التى تجريها سويسرا فى قضايا غسيل أموال متورط فيها بعض الشخصيات المصرية المطلوب رد الأموال التى قاموا بتهريبها إلى سويسرا. استندت المحكمة فى قرارها إلى القرارات والإجراءات التى اتخذتها السلطات المصرية آنذاك ومن بينها عزل النائب العام والإعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر 2012.

&

ويمكن القول إن عملية استرداد الأموال المهربة المصرية تعتبر نموذجا لضرورة تعميق العمل والتنسيق الجماعي، ويتعين وجود جهة قانونية واحدة تضم كافة السلطات المعنية فى الدولة تكون مسئولة عن الموضوع بكافة جوانبه، وتتم محاسبتها عن أعمالها فى إدارة الموضوع، وهو الأمر الذى سبق وأن طالبت به وزارة الخارجية.

&

تخوض مصر حربا حقيقية ضد الإرهاب ولم يعد يقتصر ميدانها على سيناء فقط وإنما اصبح يمتد الي مختلف أنحاء البلاد. ما هى طبيعة الجهود التى تقوم بها وزارة الخارجية فى إطار مكافحة الإرهاب على المستوى الخارجي؟

&

هناك مجموعة عمل يرأسها نائب وزير الخارجية تتابع هذا الموضوع، ويشارك فى عضوية هذه المجموعة الجهات الوطنية المعنية، وقد صاغت مجموعة العمل خطة تحرك تنفذها وزارة الخارجية فى هذا الصدد. وتتمثل عناصرها على المستوى الدولى فى عدة خطوات من أهمها، قيام بعثتنا الدائمة لدى الأمم المتحدة فى نيويورك بإضافة فقرات تعكس مصالحنا فى مشاريع القرارات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب الصادرة عن الجمعية العامة، وبحيث تعكس ضرورة التعاون الدولى فى القبض على الإرهابيين، وتسليم من يدعم أو يسهل أو يشارك فى تمويل أو تخطيط أو ارتكاب الأعمال الإرهابية، ومنع التحريض على الإرهاب، والتزام الدول بمكافحة وتجريم وتمويل الإرهاب، ومكافحة إساءة استخدام الإرهابيين للجمعيات الخيرية أو المنظمات غير الحكومية لتمويل أنشطتهم، كما قامت بعثتنا لدى الأمم المتحدة فى جنيف بالإدلاء ببيان مشترك عبر إقليمى بشأن حماية حقوق ضحايا الإرهاب أمام مجلس حقوق الإنسان، وهو ما تم بالفعل فضلاً على سعيها لإعادة إحياء القرار الذى كانت الجزائر تقدمه للجنة حقوق الإنسان حول حقوق الإنسان والإرهاب أمام مجلس حقوق الإنسان.

&

من جهة أخرى تم تكليف بعثتنا فى اليونسكو بطرح مشروع قرار فى المنظمة بشأن آثار العمليات الإرهابية على الأماكن الأثرية والثقافية فى مصر, فضلاً على توثيق انتهاكات وآثار العمليات الإرهابية على تلك الأماكن، كما تم تكثيف التعاون مع حلف شمال الأطلنطى ومنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا فى أطار مكافحة الإرهاب، وتقوم سفاراتنا بإجراء الاتصالات اللازمة بدول الاعتماد لتقديم الشرح اللازم حول الجرائم الإرهابية التى تقع فى مصر، والجهود التى تقوم بها الدولة المصرية فى ذلك الخصوص، بما فى ذلك شرح للقانون المصرى المطبق على تلك الأحداث، وذلك لتوضيح الصورة للطرف الأجنبى بأن الجرائم محل النظر هى جرائم جنائية وليست سياسية بأى شكل من الأشكال، وبتطبيق القانون، وبتوافر كل الضمانات القانونية لإجراء محاكمات عادلة للمتهمين.

&

وإقليمياً، دعت مصر خلال اجتماع المجلس الوزارى للدول أعضاء جامعة الدول العربية وخلال القمة العربية الأخيرة بالكويت إلى عقد اجتماع مشترك لوزراء الداخلية والعدل العرب لبحث مدى تنفيذ الاتفاقيات القضائية والأمنية العربية، وبصفه خاصة الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998. أما على المستوى الثنائي، فقد وجهت السلطات المصرية المعنية طلبات لبعض الدول لتسليم متهمين مصريين هاربين لديها فى جرائم إرهابية, وتقوم سفاراتنا فى الدول المعنية بمتابعة الموضوع, وذلك إلى جانب جهود الدولة المعنية بالموضوع.

&

قررت وزارة الخارجية بعد ثورة 30 يونيو مراجعة جميع المساعدات الخارجية ، وذلك فى إطار بلورة سياسة خارجية مصرية جديدة تحقق من جانب التوازن بين المصلحة الوطنية وتضمن من جانب آخر تنويع البدائل، فماذا تم فى هذا الشأن؟

&

مصر تتلقى مساعدات من شركائها فى الدول الغربية والولايات المتحدة وهى عنصر مهم يجب الاستفادة به وسنظل حريصين على الشراكة بيننا وبين الدول الغربية ونقدر المساهمة التى قدموها لنا، طالما أنها أتت فى إطار شراكة وتبادل مصالح مشتركة، وعلاقة من الندية والاحترام المتبادل. فهذه المساعدات لا تمنح كهبة وإنما هى تخدم مصالح مشتركة، والنفع الذى يعود على من يقدم هذه المنح يكون بنفس القدر وأحيانا يفوق من يتلقى هذه المنح, وعلاقات مصر الخارجية أعمق بكثير، والدعم الذى تمثله هذه المساعدات هو جزء يسير من خطط مصر التنموية واعتمادها على الإصلاح الاقتصادى والتمثيل الأمثل لمواردها الاقتصادية.

&