الياس الديري

بعيداً من المقدّمات والتحليلات التي تصمّ الآذان، مؤشِّر المجازر الاسرائيليَّة المتجدِّدة في غزّة يؤدي مباشرة الى الوقوف أمام احتمال واحد، سيكون شديد الخطورة في حال عدم إيقاف الهجمة الهمجيَّة لاسرائيل قبل فوات الأوان: البلقنة.
وإطاحة كل الاتفاقات ومعها اتفاق خريطة الطريق الذي تمَّ في عهد الرئيس بيل كلينتون وزمن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، فيما الشعوب والطوائف والمذاهب في المنطقة تتنافس على القتل الجماعي وتدمير التاريخ العربي وأزمنته.


وبصراحة تامّة لم تعد المخاوف محصورة بين احتمال الاتجاه صوب شرق أوسط جديد أو شرق أوسط كبير كما سَلف وذكرنا، إنما الخوف كل الخوف، والخطرُ كل الخطر في تفتيت المنطقة الى دويلات وإمارات طائفيَّة مذهبيَّة، تأخذها الحروب العمياء الى مزيد من التمزق والاندثار.


لا شك في أنَّ اسرائيل خطَّطت منذ مطالع "الربيع العربي" لمثل هذه الغزوة الهمجيَّة لغزة، وجهَّزت "أسبابها" مع توقيت انطلاقتها في انتظار اللحظة المناسبة... واغتنام تفرُّق ما تبقَّى من شمل العرب، ثم الانقضاض على "ضحيَّة العرب الأولى" التي حملت في النصف الأخير من القرن الماضي لقب "قضية العرب الأولى"... ويا فلسطين جينالك.


الى أن أضحت، أو "ترقَّت" الى رتبة "الحجّة الوطنيّة"، أو "الحجّة الفلسطينيّة" لكل طامح للوصول الى السلطة وكنوزها وعزّها وجواريها، ولكل طامع بتأبيد جلوسه في القصور الرئاسيَّة.
وباسم فلسطين، وقضيتها، وتحريرها، ورمي اسرائيل في البحر، دمَّروا البلاد واستبدوا بالعباد... الى أن فوجئ الجميع بتسونامي "الربيع" أو "الخريف العربي"، الذي تحوَّل مطيَّة لذوي الغايات والنيَّات المبيتة، وللكامنين خلف شعارات التغيير والانتقال الى النظام الديموقراطي البرلماني.


وتيمُّناً بنظام لبنان المزدهر والمختلف، والذي شكّل في الزمن الجميل الذي اغتالته بوسطة عين الرمانة نموذجاً يُحتذى لكل راغب في العيش تحت خيمة الحريّة والمساواة والعدالة، بعيداً من اي تمييز طبقيّ أو طائفي.
المتضرّرون من النظام اللبناني الذي يكاد بدوره أن يصير من الماضي، لم يفُتْهُم لحظة أن لبنان بوضعه "المختلف" وازدهاره على كل الصعد، يشكِّل شاهداً دائم السطوع ضدّهم، وضد أنظمتهم التي يتمرَّغ معظمها في أنهر الدماء والدمار منذ سنوات. فانهالوا عليه بكل ما لديهم من وسائل.


وما قصَّروا فيه أكملته اسرائيل الحاضرة أبداً في كل المناسبات، منتهزة الفرص لجعل المنطقة المفرقعة في خبر كان.


وها هي تستغلُّ انشغال هذا العالم العربي البائس بتدمير ذاته، وايقاظ كل "عدّة" التخلُّف، لتنقض بوحشيَّتها المعروفة على غزّة الوحيدة، وتنهش لحوم أطفالها.


فأيّ شرق أوسط جديد، إنه لشرق أوسط ممزّق.