مشاري الذايدي

&من ضمن ما شغل الناس في ظهور خليفة «داعش» أبو بكر البغدادي على منبر الجامع النوري بالموصل هيئته ولباسه الغرائبي التاريخي.
الرجل ظهر بعمامة سوداء ورداء أسود وعباءة سوداء، وكأنه للتو خرج من مسلسل تاريخي عن الدولة العباسية.
وعلى ذكر الدولة العباسية، فإن المعروف في التاريخ أن العباسيين كانوا يلقبون بالمسوَّدة، نسبة إلى اللون الأسود، وذاك أنهم اعتمدوا هذا اللون شعارا لهم، فقد كان مما يروى عن داهية العباسيين وسفاحهم أبو مسلم الخراساني أنه أمر أتباعه باعتماد هذا اللون في جميع ملابسهم بسبب هيبته التي يبثها في نفوس الآخرين. وهناك من قال إن سبب اعتماد العباسيين أو الدعوة العباسية السرية لهذا اللون هو الإيحاء بأنهم خرجوا للثأر لمقتل الحسين ومظالم الهاشميين على يد الأمويين، وكان هذا اللون يجمع الهاشميين كلهم، عباسييهم وعلوييهم. ولكن لما تمكن العباسيون من الحكم نبذوا حلفاءهم العلويين من الحكم، كما فعل الأمويون، ونكلوا بهم، وربما من هنا اتخذ العلويون اللون الأخضر شعارا لهم بعد ذلك.
الواقع الآن أن اللون الأسود يكاد يجمع كل الدعاة السريين والغارقين في أغوار التاريخ في عصرنا، من حسن نصر الله وخامنئي إلى أبو بكر البغدادي ومن قبله الزرقاوي.
الملابس هي رسائل سياسية واجتماعية وشفرات دالة على مضامين دينية وثقافية وليست مجرد أغطية للستر وبهارج للزينة.
لون «داعش» الآن وشعارها ورايتها صارت رسالة بحد ذاتها، كما يقرر ذلك أحد قادتها، موضحا سبب ارتداء زعيمهم البغدادي العباءة السوداء: «السواد مستحبّ عند بعض العلماء للخلفاء، خاصة في حالة الحرب، وكان لباس خلفاء بني العباس وولاتهم وقضاتهم وخطبائهم السواد، ففي اللون الأسود هيبة وهو علامة قوّة في حرب».
إنها إذن رسالة تحمل وتختزل الكثير من غايات وأحلام هؤلاء الناتقين من جوف التاريخ على حواف جروح الحاضر.
السواد هو شعار المرحلة وهو عنوانها، والبياض في حالة دفاع ومقاومة، ومن ينتصر منهما فهو سيد المرحلة.
نحن في مرمى النار بين سواد إيران، وسواد العراق، وسواد الموصل والضاحية، نحن الذين نريد الحياة بكل ألوانها.
إنها قصة الأبيض والأسود، الماضي والمستقبل، الليل والنهار.