يعقوب أحمد الشراح

على الرغم من أن البحث في استقلال كردستان يختلف عن الحديث في استقلال إقليم كردستان العراق إلا أنه بصفة عامة تظل القضية الكردستانية على المستوى الدولي أكثر تعقيداً، ويكفي ملاحظة ذلك عندما يكون الامتداد الجغرافي الكردستاني يتجاوز العراق ليصل إلى الأراضي التركية والسورية والإيرانية.

ومع أن الجغرافيا الكردستانية تشكل محوراً تعارضه الدول مثل تركيا وسورية وبشكل غير قابل للنقاش إلا أن المجتمع الدولي وخاصة أميركا بدأت في الآونة الأخيرة تلمح إلى جدوى استقلالية إقليم كردستان العراق بعد أن تفاقمت الأوضاع المأسوية في العراق، وأصبح العراق مرتعا للإرهابيين والطائفية.

المحللون السياسيون يرون توافر أسباب استقلال إقليم كردستان العراق، فجغرافية هذا الإقليم تحتضن الأنهار ووفرة المياه والجبال والزراعة والثروات المعدنية كالنفط والحديد والنحاس، كما أن كردستان تمتلك ارثاً تاريخياً وهوية ولغة وغيرها من أسباب تدعم تأسيس دولة مستقلة لتميزها التاريخي والجغرافي والسكاني، فضلاً عن تشرد الأكراد وتعرضهم لإبادة بشعة.

إن توجه الرئيس البرزاني للاستفتاء الشعبي تجاه الرغبة في الاستقلال قد يكون توجهاً مشروعاً في هذه المرحلة، وخطوة أولى للحفاظ على الهوية الكردية التي أصبحت اليوم مهددة بسبب تهميش إقليم كردستان في السياسة والأمن والتعليم والاقتصاد، بل إن التهديد يعكس عامة تداعيات الصراع الدائر بين السنة والشيعة، ومخاطر استنزاف الموارد، وتفشي الفساد في العراق، ولعل الحرب الدائرة حالياً بين «داعش» والطوائف الأخرى العراقية، وسرعة احتلال داعش للمدن والأقاليم العراقية يعكس أن المستقبل في العراق لن يكون موحداً، فهو منقسم على ذاته، والتدخلات الخارجية تسير من سيئ إلى أسوأ، كل ذلك والعراق ضعيف في قدراته على الدفاع عن سيادته، ويواجه مخاطر التقسيم.

هذه الأوضاع وغيرها تؤثر بدرجة عالية على استقرار إقليم كردستان العراق الذي لا أطماع له سوى الحفاظ على سلامة وحدته وحماية شعبه من التهديدات والتدخلات، واستغلال ثرواته، وخاصة النفطية والتي ظلت تستحوذ عليها الحكومة المركزية العراقية من خلال إبرام عقود مع شركات أجنبية تستفيد من الحقول النفطية في الشمال والتي يقدر الخبراء بأن لها أهمية كبيرة لأنها غنية وواعدة، ومصدر كبير للدخل الوطني الذي يمكّن تنمية شمال العراق ويجعله أكثر تقدماً ورخاءً.

هذه وغيرها من حقائق تؤكد أن الأزمة القادمة في العراق ستتجاوز التقاتل الطائفي إلى حدوث تفكك في وحدة طوائفه، وانقسام يؤدي إلى مشروعية المطالبة الكردية بالاستقلال، فالأكراد يرون أهمية الخروج من محنتهم التي طال عليها الزمن باسترجاع حقوقهم، وتأسيس دولة مستقلة تساهم في التعاون ومحاربة الإرهاب والطائفية.

لقد أدى الصراع الطائفي ودخول فصائل إرهابية تحارب في العراق إلى إعادة تركيا نظرها في مبررات واستغلال كردستان العراق، فلقد صرحت أخيراً بأنها من حيث المبدأ تشعر بالتهديدات على حدودها من الفصائل الإرهابية التي أصبحت كالذباب في العراق، ولربما التنسيق مع الأكراد في العراق لبناء خط عازل حدودي يمنع الإرهابيين من الدخول لتركيا وعدم تجاوزهم للحدود يجعل الموافقة التركية على تأسيس دولة كردية مجاورة أكثر قبولاً وارتياحاً.
&