يعقوب أحمد الشراح

تشهد الساحة العربية تغيرات دراماتيكية متسارعة أسفرت حتى الآن عن نتائج مأساوية أصابت مفاصل حياتها وشلت حركتها وجعلتها أكثر تراجعاً أو تخلفاً. فلقد وصفت هذه التغيرات بأنها ثورات تهدف الحرية والديموقراطية والتخلص من الاستبداد والظلم وحماية مقدرات الشعوب، لكنها أنتجت المزيد من التخلف والقهر والتفكك بعد أن دخلت في حروب وقتال بين طوائفها وأحزابها كان وما زال للتدخلات الخارجية دور كبير في خلق الفوضى والنزاعات بين الناس في مجتمعاتهم.

إن ما أصاب الإقليم العربي من تدهور أدى إلى تشريد الملايين من أهله بعضهم لجأ إلى العيش في الخارج وهي الفئة المحظوظة، بينما الغالبية ممن يوصفون بالمغلوبين على أمرهم نجدهم لاجئين لا حول لهم ولا قوة يرابطون في خيام على حدود الدول العربية نتيجة هروبهم من القتال الدائر في بلدانهم.أما الأكثرية من الطبقة الفقيرة الكادحة فهم يتعايشون مع أوضاعهم المأساوية في مجتمعاتهم التي لا تفعل شيئاً لهم، ولا تهتم بأحوالهم بسبب انشغالها في حروب داخلية تسعى للسيطرة والتمسك بزمام الحكم، والدفاع عن الكرسي مهما كلف الأمر.

لا شك أن تدهور حال الأمة العربية في سورية والعراق ولبنان ومصر واليمن والسودان والصومال، وتزايد الخوف في الدول التي هي في أحسن حال من غيرها من الدول العربية يعكس حجم تأثر كل دولة عربية بالأخرى، وبمدى امتداد الأحوال السيئة من مكان لآخر، فهذه هي الفصائل المتحاربة في سورية مثلاً تنتقل للحرب في العراق، وكذلك تضطرب الأزمات الداخلية في دول عربية أخرى.

أما انعكاس تأثيرات أحوال أي دولة سواء كانت ايجابية أو سلبية على الدول المجاورة لها فقد أصبحت من المكونات المهمة في السياسات الأمنية والدفاعية للمجتمعات، بل ان التاريخ يذكرنا بحقائق عن دور الأزمات الخارجية في استقرار الدول وتقدمها، والأحداث الأخيرة في تونس وليبيا ومصر وسورية والعراق وغيرها من مناطق في العالم تشكل أمثلة واقعية لتداعيات الأوضاع من مكان لآخر. ولشدة المخاوف من انتقال الأزمات عبر الحدود في الوقت الحالي جعلت الدول تتحد في أنظمة دفاعية واقتصادية وسياسية، وتتفق فيما بينها على درء أي خطر يأتي على أي عضو في المنظومة الكاملة، بل انها أسست نظاماً قادراً على مساعدة أي عضو يعاني من أزمات داخلية تؤثر في المنظومة الدفاعية لها سواء كانت أمنية أو سياسية أو اقتصادية.

هذه الحقائق يجب أن تكون أساساً لخلق تضامن قوي بين دول الخليج التي أصبحت اليوم في مرمى أهداف الإرهاب والنزاعات الداخلية واحتمالات التدخلات الخارجية نتيجة ما يحدث من حروب ومآس في دول الجوار. فإذا كان هناك خلاف على تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون سبباً في عدم اتخاذ بدائل أخرى لنظام خليجي يجعل تضامن أهله أكثر قوة وقدرة على الدفاع عن أراضي دولها وحماية مكتسباتها. فإذا كان تنظيم داعش على سبيل المثال يهدد اليوم دول الجوار ويريد زعزعة الأوضاع في الخليج، فمن يضمن ألا تكون هنالك فصائل إرهابية أخرى تخطط للقيام بعمليات التخريب في المنطقة؟ ثم كيف للشعوب أن تشعر بالأمان والتقدم في ظل انفلات الأمن، والتعدي على سيادة الدول من خلال تأسيس مليشيات وطوائف تسعى للحرب والسرقة وإلقاء مفهوم دولة المؤسسات والقانون؟ فالأوضاع المأساوية داخل الدولة الواحدة لا تعني سهولة احتوائها في ظل التهديدات الخارجية أو الأحوال غير المستقرة التي تعصف بالجوار.
&