حسين حافظ

مثلما تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن حماية أمن العراق وضمان وحدته السياسية بموجب التزاماتها القانونية والأخلاقية المترتبة ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بينها وبين العراق في العام ،2008 يتخلى أوردوغان عن تركمان العراق ، وعن كركوك التي عدها خطاً أحمر بمجرد أن تم ربط نفطها بنفط إقليم كردستان لكي يصل إلى الموانئ التركية ومن ثم يتم تصديره إلى الخارج وفق ما تراه تركيا مناسباً لها من مردود اقتصادي .


وكان من الضروري ووفقاً لما تتطلبه مرحلة التضامن الوطني العراقي من لحمة اجتماعية واقتصادية في إعادة إعمار العراق الذي أنهكته الحروب ودمرت الولايات المتحدة مرتكزاته الحياتية، أن يضاف مردود نفط كردستان العراق كقوة اقتصادية نوعية إضافية لا أن يوهب إلى تركيا لتصبح شريكاً فيه بموجب الالتفاتة الكريمة التي وفرها مسعود البرزاني في سعيه إعلان استقلال إقليم كردستان عن العراق، ويقيناً أن هذا الاستقلال خاضع لشروط تركية - " إسرائيلية" - أمريكية سوف لن تحقق للبرزاني ما يصبو إليه ولها من الدلالات والأبعاد الخطيرة ما يمكن الإشارة اليها بشكل واضح .


الدلالة الأولى: هي أن تركيا التي ضربت بعرض الحائط كل ذلك الموروث الثقافي الذي حكمت فيه العالم العربي قرابة الأربعة قرون ثم أدارت ظهرها للعرب والمسلمين باعترافها بكيان دويلة "إسرائيل" كأول دولة إسلامية تقدم على ذلك، سعياً منها للحاق الوهمي بالعالم الغربي، هي اليوم تعيد الكرة نفسها بمحاولة الاعتراف بكيان دويلة كردستان المفترضة وتغض الطرف عن السلوك البرزاني في احتلال كركوك وتضحي بحقوق التركمان تحقيقاً للحلم الذي كانت تسعى إليه بمبادلة المياه التركية بالنفط العراقي ولطالما جاهدت وبمساندة أمريكية صهيونية إلى تحقيق ذلك الحلم بمختلف الوسائل كإقامة السدود والمشاريع المائية العملاقة من أجل الضغط على العراق بشتى الوسائل وصولاً إلى تقاسم الثروة النفطية فيه، ولأن الأنظمة المتعاقبة في العراق لم تكن تمتلك رؤية استراتيجية واضحة لمستقبل أطماع الدول المجاورة فيه، فإن سياستها كانت وما زالت محكومة بأفق ضيق، وهي تنصب بجهودها في الغالب على معالجة الجزئيات السياسية مقارنةً بالغايات النهائية التي ترنو إليها أطماع قوى الإقليم، وكانت على يقين بأن المياه لا يمكن التحكم بها أو السيطرة في مجاريها النهائية بشكل مطلق ، وكان يمكن للنفط العراقي سواءً المنتج من كركوك أو من غيرها أن يربط بمنافذ شتى لا أن ترتهن الثروة الاقتصادية العراقية بمنفذ واحد يمكن من خلاله إيذاء العراق بشكل أكثر حدة من موضوع المياه أو الخط التجاري أو سواهما وهو ما يحصل اليوم ، ولطالما لعبت الإيديولوجيات السياسية دوراً ضاراً بالمصالح الوطنية العراقية بغض النظر عن حجم الإيذاء المترتب عن تلك الإيديولوجيات السياسية المتخلفة .


أما الدلالة الثانية: فهي أن القادة الكرد كانوا يحلمون أيضاً بتحقيق ال(دولة) الكردية المفترضة منذ زمن بعيد، وحقيقة الأمر هي أن هذا الحلم لطالما ارتد بتداعيات خطرة على أمن وسلامة المواطن الكردي سواء في كردستان العراق أو في غيره وألحق ضرراً كبيراً بمصالح العراق الاستراتيجية، وهنا نستطيع التذكير بالمجازر التي تعرض لها الكرد بين العامين 1922-1923 والأعوام التي تلتها على يد مصطفى كمال أتاتورك والمجزرة اللاحقة في العراق بين الأعوام 1974-1975م حين تخلت تركيا وإيران عن التزاماتهما الأخلاقية إزاء الكرد في محاربة الدولة العراقية وخسر العراق جراء ذلك نصف شط العرب وكذا الحال في مجازر حلبجة بين الأعوام 1987-1988م وإلحاق الأذى بسمعة العراق الدولية .


اليوم يدرك الساسة الأكراد جيداً أن خلق كيان سياسي كردستاني جديد في العراق لا يخلو من اشتراطات إجهاضية تركية أقل ما فيها تقييد القدرة على بناء نظام دفاعي قادر على حماية الكيان الجديد سبيلاً لإبقاء الدولة الكردية المفترضة من دون القدرة على مهاجمة تركيا في ما بعد وتثوير قضية حزب العمل الكردستاني وكذلك الإبقاء على حاجة الكيان الجديد إلى الحماية من أي عدوان تفترضه الظروف المستقبلية، وهنا لا بد من التذكير بالاشتراطات الأمريكية ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي أبقت العراق مفتوحاً على مصراعيه لعبث العابثين وتجاوز المتجاوزين، عند ذاك سيكون البرزاني وكيانه تحت رحمة تركيا في صد أي عدوان داخلي أو خارجي مفترض وسيتعرض الأكراد حينها إلى أسوأ مما تعرضوا إليه في ما سبق ذكره وهنا ينبغي أن نذكر الرئيس مسعود بالقول المأثور ما هكذا تورد الإبل .