جهاد الخازن

أرتِج عليّ ولا حلول عندي فلم يبقَ سوى البكاء، وأتوكأ على دراستي الأدبية لأقدم للقراء شعراً باكياً فهو عندنا من أول معلقة وحتى اليوم.

&

امرؤ القيس قال في شعر مشهور:

&

كأني غداة البين يوم تحملوا / لدى سمرات الحي ناقف حنظل

&

ففاضت دموع العين مني صبابة / على النحر حتى بلَّ دمعي محملي

&

الخنساء بكت أخاها صخراً، ولو عاشت معنا لبكت الوطن. هي قالت:

&

يذكرني طلوع الشمس صخراً / وأذكره لكل غروب شمس

&

ولولا كثرة الباكين حولي / على إخوانهم لقتلت نفسي

&

متمم بن نويرة بكى أخاه مالكاً وقال:

&

وقالوا أتبكي كل قبر رأيته / لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك

&

فقلت لهم إن الأسى يبعث الأسى / ذروني فهذا كله قبر مالك

&

هناك بكاؤون في التراث العربي القديم، وقرأت عن خمسة وأيضاً عن سبعة، ولكن أبقى اليوم مع الشعر الباكي وهو كثير عند العذريين.

&

المجنون قيس قال:

&

ومما شجاني أنها يوم ودعت / تولت وماء العين في الجفن حائر

&

فلما أعادت من بعيد بنظرة / اليّ التفاتاً أسلمته المحاجر

&

أما قيس بن ذريح فقال:

&

أتبكي على لبنى وأنت تركتها / وكنت كآتٍ غيّه وهو طائع

&

وقال أيضاً:

&

ولو أني قدرت غداة قالت / غدرتَ وماء مقلتها يسيل

&

نحرت النفس حين سمعت منها / مقالتها وذاك لها قليل

&

الفرزدق قال:

&

سأبكيك حتى تُنفِد العين ماءها / ويشفيَ مني الدمعُ ما أتوجع

&

أما مسلم بن الوليد فكان رأيه:

&

الورد في وجنتيه مشرق / كأنه يشرب من مدمعي

&

وذو الرمة له:

&

ولما تلاقينا جرت من عيوننا / دموع كففنا ماءها بالأصابع

&

ولأبي تمام:

&

عيون حفظن الليل فيك محرما / وأعطينك الدمع الذي كان يُمنع

&

وقد كان يُدعى لازم الصبر حازما / فأصبح يدعى حازما حين يجزع

&

أرجو من القارىء أن يلاحظ في هذا البيت الكلمتين الصبر ويجزع، فهذا هو الاستعمال الصحيح لأن الجزع في القاموس تعني عدم الصبر لا الخوف.

&

المتنبي لم يقصر وله قصيدة مطلعها:

&

أتراها لكثرة العشاق / تحسب الدمع خلقة في المآقي

&

كيف ترعى التي ترى كل جفن / راءها غير جفنها غير راقي

&

راءها مقلوبة من رآها، وللمتنبي أيضاً:

&

ان التي سفكت دمي بجفونها / لم تدر ان دمي الذي تتقلّد

&

الشعراء الشوام بكوا كثيراً ولو كانوا معنا اليوم لكانت أسباب البكاء أكثر.

&

ديك الجن الحمصي قال:

&

ان تك الأيام قد أذنبت / فيك فإن الدمع لا يذنب

&

أبو الوأواء الدمشقي قال:

&

لو أعشب الخد من دموع / لكان في خدَّيَ الربيع

&

والقاضي الفاضل الذي ولد في دمشق وعاش في مصر قال:

&

يا رياح الشآم أنت رسول / يتمنى في حاجة العشاق

&

ذَخَرَت مقلتي كنوز دموع / فاجهدي يا هموم في الإنفاق

&

ابن الساعاتي ولد في دمشق أيضاً وله:

&

لا تلوم عين على طول البكا / كيف لا تدمع والبين قذاها

&

أما أبو نسيم الحموي فقال:

&

لا تنكرن علي فيض مدامعي / فالدمع يفقع غلة المحزون

&

وأصاب التهامي قديماً وحديثاً وهو يقول في ابنٍ مات:

&

أبكيه ثم أقول معتذراً له / وُفِّقتَ حين تركتَ ألأم دار

&

ابن عنين قال:

&

وقفت أبكي وراحت وهي باكية / تسير عني قليلاً ثم تلتفت

&

أعتقد أنني قدمت للقارىء اليوم ذخيرة من الشعر الباكي تناسب «الأوضاع» وأتركه مع قول البحتري:

&

إذا احتربت يوماً فسالت دماؤها / تذكرت القربى ففاضت دموعها

&

أقول للبحتري: كان زمان.
&