أسامة القحطاني

المالكي" خرج عن الطريقة العلمية لدراسة النصوص، إلى طريقة لا علمية ولا منهجية، لا يمكن ضبطها ولا مجاراتها، فهي بلا شك تتعارض مع الأصول العلمية للفقه

&


الحقيقة أنني ترددت في الكتابة في هذا الموضوع كثيرا، وذلك لأنني لا أريد أن أجد نفسي أكتب بنَفَس طائفي، ولكن رأيت أن أكتب في نقد المنهجية التي يسير عليها الأستاذ حسن فرحان المالكي والتي لي مآخذ علمية عليها كثيرة، ولِما أثارته من تساؤلات الناس حولها.


أولا؛ أود أن أؤكد أنني من الدعاة لحرية قراءة النصوص الشرعية، وقد كتبت الكثير في مفردات هذا الموضوع، وأطالب بأن يتم إعادة تقييم البحوث الأكاديمية التي تقرر النتيجة في المقدمة والتمهيد قبل البحث أصلا! وأن كثيرا منها مجرد إعادة لصياغة الموضوع، وهذا له أسباب متعددة ليس هذا مكانها.


ثانيا؛ لا شك أن من مقتضى العبودية الصحيحة لله أن الباحث يجتهد في فهم النص وتحليله حسب ما يفيد النص ذاته وفهمه له، وليس بفَهم غيره، وهذا وإن كنا نسمع نظريا الذم للتقليد والثناء على الاجتهاد إلا أن الحقيقة أن التضييق على الاجتهاد منتشر لدينا، وهو من أسباب تخلفنا العلمي، إلا أن هذا الاجتهاد يجب أن يكون حسب الأصول العلمية والقواعد الخاصة به، وليس بمجرد العبث والهوى مثلا.


أعود الآن لموضوع الأستاذ حسن، وأقول إنه بالرغم من أنه يبذل جهودا كبيرة في البحث والقراءة، إلا أن لديه الكثير من الإشكالات في منهجيته، فهو لا يلتزم المنهج العلمي في فهم النصوص وتحليلها، فالعلماء على مدى قرون طويلة قد طوروا أسسا علمية كثيرة وعميقة في فهم النص ودلالات الألفاظ وطرق فهمها والجمع بين متعارضها وهكذا. وهذا العلم بالمناسبة ليس حكرا على أهل السنة، فهو علم يعتمد عليه علماء الشريعة من كافة المذاهب باختلافات بينهم معروفة، وهو علم أصول الفقه الذي يجمع في محتواه أبوابا من العربية والمنطق وأصول الدين وغيرها، وهناك أجزاء كثيرة منه نقلها المفسرون إلى علوم القرآن ومقدماتها بسبب أهمية هذه الأصول لفهم وتفسير النص.


جرى نقاش قصير بيني والمالكي في تويتر، ورأيت مقطعا له يناقش قوله تعالى: (لقد حقّ القولُ على أكثرهم فهم لا يؤمنون)، وكان يعرضها كمفاجأة وفتح عظيم لتكفير بعض الصحابة (وهو يشير لمعاوية رضي الله عنه)، فهو يستشهد بالآية على أن أكثر قريش (ومن بينهم معاوية آنذاك) لن يؤمنوا في المستقبل، وبالتالي فمعاوية وغيره بنص القرآن لن يؤمنوا وماتوا على الكفر!


ولكن بعرض هذا النص على الأصول العلمية للتفسير الصحيح؛ نجد أن السورة (يس) مكية بالإجماع، وبتفسير النص بشكل حر؛ نجد أنه يمكن فهمها من خلال هذه الأوجه:
1- أن النص نزل في كفار ومعاندي قريش آنذاك، وقد صدق القرآن بأن أكثر أولئك المعاندين ماتوا على الكفر في بدر وغيرها، ونفيُ الإيمان عن أكثرهم لا يعني نفيه عنهم كلهم.


2- أن النص استخدم "لا" النافية، وهي محتملة لأن تكون حالية - وهذا الأصل-، وقد تكون مستقبلية، فإذا كانت حالية فهي تفيد عدم إيمانهم في ذلك الوقت، ولا تعني نفي الإيمان عنهم في مرحلة لاحقة، وإن كانت نافية مستقبلية؛ فهي محصورة في الأكثر، ولم تُحدَّد بمعيّنين، والأكثر متحقق بموتهم في الغزوات قبل فتح مكة، ولا يفيد هذا النص بعينه في تكفير معين على الإطلاق.


الخلاصة؛ أن استدلال المالكي بهذه الآية لا يفيده بأي شيء، إلا إذا كان خرج عن المنهج العلمي في الاستدلال. ولذلك فإن الكثير يتهم الأستاذ حسن بالانتقائية والبحث بالمنقاش لأجل الوصول لتكفير معاوية والأمويين! ولا أدري، هل هذه الطريقة علمياً صحيحة! ثم لماذا هذا العبث العلمي وإزهاق الأيام والأوقات في هل فلان مؤمن أو كافر؟ إلا إذا كان الهدف الوصول لهدم السنة النبوية بأكملها فهذا أمر آخر!


في المقابلة التي كانت على روتانا؛ ألمح المالكي للكثير من النقد على السنة النبوية وشكك في صحتها بالجملة، فهل هذا بسبب العجز عن التوفيق بين الأدلة الشرعية وفهمها؟ أم أنها لم تُحقق الهدف الذي يسعى له! لا أدري ولكن البعض يتهمه بذلك!


علوم الحديث في الإسلام هي أكثر ما يميز الإسلام عن غيره، حيث عمل علماء الإسلام على مدى قرون على دراسة كل حديث وسنده، وتنقية الصحيح من الضعيف، ثم يأتي الأستاذ حسن ويريد نقض تلك الجبال الشاهقة من العلوم والجهود العظيمة الداعية للفخر وبمجرد أهواء وادعاءات غير علمية!


تحدث المالكي عن أن السلفيين يهربون من الحكم على معاوية بالكفر، ونسي أن هروبهم واعتذارهم لأخطاء معاوية رضي الله عنه هو ما جعل الكثير منهم يعتذر له أيضا ولي ولغيرنا! فالأصل الإسلام في كل أحد، وخاصة صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز العبث والبحث في قلوب الناس هل مسلم أو كافر! ولا أدري هل هذا من صنع المسلمين أو الخوارج! وكثيرا ما تحدث عن داعش والقاعدة ولكنه يمارس نفس الأسلوب مع معاوية رضي الله عنه!
ذكر أيضا أنه يتبنى المنهج القرآني (فيما يقابل السنة) غالبا، ولا أدري ماذا يقصد بالضبط؟ هل يقصد المتعارض مع القرآن؟ فهذا تحدث عنه العلماء قديما في أبواب مختلفة، فهناك المتعارض فعلا، وهو قليل في الصحيح من الأحاديث، وهناك ما يُتوهم أنه متعارض، ولكن بدراسة معاني الألفاظ ودلالاتها يزول الإشكال، فهناك المجمل والمفسر، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، وهكذا. كما أن هناك خلافا في زيادة السنة على القرآن، هل تعتبر نسخا له أو لا؟ وهكذا مسائل كثيرة يذكرها علماء الأصول، ولكن الأستاذ حسن خرج عن الطريقة العلمية لدراسة النصوص، إلى طريقة لا علمية ولا منهجية، لا يمكن ضبطها ولا مجاراتها، فهي بلا شك تتعارض مع الأصول العلمية للفقه.


كم كنت أتمنى أن يترك الأستاذ حسن هذه الطريقة ويكرس جهوده في نقد الفكر التصادمي، والبحث عما يجمع الأمة ويوحدها بدلا من هذا النفَس المُفرِّق للأمة فقط.
&