لينا الخطيب

فيما يتواصل الهجوم الإسرائيلي على غزة، طرحت مصر مبادرة للتوصّل إلى هدنة بين حركة «حماس» وإسرائيل لوضع حدّ للعنف الراهن. والحال أنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي، ببساطة، لا يستطيع أن يسمح بفشل هذه المبادرة، وسيبذل قصارى جهده لإنجاحها.

&

تأتي المبادرة المصرية في وقتٍ حرج بالنسبة إلى السيسي، إذ نشبت أزمة غزّة بعد مرور شهرين فقط على تسلّمه سدة الرئاسة، في أعقاب حملة انتخابية وعدت بإعادة إحياء دور مصر القيادي في الشرق الأوسط. يحتاج الرئيس المصري إلى أن يظهر لشعبه أنّه زعيم اقليمي قوي فعلاً، كما يرغب في إثبات حضوره على الساحة الدولية.

&

ليست هذه المحاولة الأولى للسيسي في هذا الصدد، ففي حزيران (يونيو) 2014، قبيل الهجوم الإسرائيلي على غزة، كان السيسي قد ناقش مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري التهديد الإقليمي الذي يشكله الإسلاميّون المتطرّفون في سورية، الأمر الذي كان دعوة غير مباشرة إلى التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وإشارةً إلى دور محتمل لمصر في الصراع السوري. تشكّل الأزمة الراهنة للسيسي فرصة أسهل من الأزمة السورية المعقّدة، كي يبني دوراً إقليميّاً فاعلاً لمصر. فغالباً ما لعبت مصر دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مثل الوساطة التي جرت بعد اندلاع العنف بين «حماس» وإسرائيل في العام 2012. ويستطيع السيسي أن يستفيد من قنوات الاتصال القائمة للسعي إلى تحقيق اتفاق.

&

يأتي احتمال الاتفاق أيضاً في الوقت الأمثل للسيسي نوعاً ما، فقطر التي كانت قد طرحت نفسها سابقاً كوسيط جديد في المنطقة، خف دورها الإقليمي في الوقت الراهن نتيجة ضغط الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وهذا ما يترك المجال مفتوحاً أمام السيسي لتقديم مصر على أنها وسيط في صياغة اتفاق حول أزمة غزة. ولا تزال قطر في الصورة كأداة تواصل مع حليفتها «حماس»، ولكن دورها في المبادرة ثانوي بالمقارنة مع دور مصر، لان مشاركة قطر تسعى إلى دفع «حماس» للموافقة على المبادرة المصرية في نهاية المطاف.

&

تبدو المؤشرات الدولية إيجابية أيضاً. إذ حصلت مبادرة السيسي على موافقة الولايات المتحدة ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، كما أعربت الجامعة العربية عن دعمها المبادرة. ويمكن أن يُعزى موقف دول الغرب في هذه الحالة جزئيّاً إلى بحثها عن وسيط جديد في المنطقة، في أعقاب تراجع دور قطر، ويُعزى أيضاً جزئيّاً إلى الحاجة إلى إبقاء القنوات مفتوحة مع الإدارة المصرية الجديدة. أما بالنسبة إلى الجامعة العربية، فان نجاح المبادرة يعيد إحياء دور مصر الإقليمي التقليدي.

&

بالنسبة إلى السيسي، وإلى جانب تعزيز موقفه في الداخل المصري والتأكيد على سردية «مصر القوية» على المستوى الخارجي، ستمنحه المبادرة أيضاً اليد العليا أمام «حماس». في المستقبل، سيتيح ذلك لمصر مزيداً من السيطرة على حدودها مع غزة، وسيضفي مزيداً من الشرعيّة على إجراءاتها ضدّ الحركات الإسلامية في مصر، ولا سيما تنظيم «الإخوان المسلمين»، حليف «حماس».

&

علاوةً على ذلك، قد يمنح نجاح مبادرة غزة السيسي مدخلاً للانخراط في صياغة اتفاقات أخرى في المستقبل، مثلاً في أزمتَي سورية والعراق، الأمر الذي من شأنه أن يعزّز تأكيد استعادة مصر قيادتها الإقليمية. لذلك كلّه، يبدو السيسي منخرطاً بقوّة في الاتفاق بين «حماس» وإسرائيل، وليس في وارد أن يراه يفشل.
&