موناليزا فريحة

&

لم يسبق لمعاناة الشعب الفلسطيني أن خسرت قيمتها في ضمير العالم كما يحصل راهنا.على جثث أطفال غزة وفي برك دم نسائها وكهولها ،تتنافس القوى الاقليمية والدولية على الأدوار والنفوذ، وتتخبط في تصفية الحسابات، تاركة لآلة الدمار الاسرائيلية كل الوقت لتفتك بالعزل والأبرياء.


تعجز مصر، ومن خلفها السعودية، عن مقاربة المذبحة الاسرائيلية الجديدة في غزة من منظور انساني بحت. لا يمكنها التعامل مع سلوك "حماس" بعيدا من الدور المشبوه الذي سعى اليه "الاخوان المسلمون" في المنطقة. "دولة حماس" على حدودها المضطربة في سيناء تمثل في حساباتها تهديدا لأمنها القومي. مبادرتها لوقف النار الرامية الى حقن الدماء الفلسطينية، تحرص خصوصا على حرمان حركة المقاومة الاسلامية اية مكاسب سياسية أو استراتيجية.
وفي المقابل، تجد قطر في غزة نافذة للعودة بقوة الى الساحة، بعدما انكفأت في سوريا وخسرت حكم "الاخوان" في مصر. لا تتوانى مع تركيا عن دعم "حماس". أما واشنطن فلا ترى خيرا على ما يبدو في استغلال نفوذ الدوحة لدى الحركة الاسلامية، وإن تكن تدرك أن مصر تبقى اللاعب الحاسم في اي وقف للنار، وذلك لاهميتها السياسية وموقعها الجغرافي على حدود النزاع.


وسط هذا الصراع السني - السني على النفوذ، يحضر الدور الايراني بكل ما يثيره من حساسيات في عواصم عربية. صواريخ "القسام" الغزاوية الصنع كشفت استمرار الروابط بين طهران و"حماس"، مع البصمات الايرانية الواضحة عليها. حنين "حماس" الى جذورها الاخوانية في بدايات الازمة السورية أفقدها بعضا من ذلك التوازن الذي أتقنت اللعب على أوتاره في العالمين العربي والاسلامي، غير أن اطاحة حكم "الاخوان" في مصر سرعان ما دفعها الى اعادة حساباتها. لا تستطيع الحركة الاسلامية الاستمرار من دون مموّلها الاساسي. كتائب "الاقصى" لم توقف علاقتها بالجمهورية الاسلامية. وفي الاشهر الاخيرة، كثرت التقارير عن عودة "حماس" الى أحضان ايران برعاية قطرية.
وفي أي حال، لم يكن متوقعاً أن تجازف طهران ببساطة بخسارة ورقة قد تحتاج اليها في مخططاتها الاقليمية، وفي خضم مفاوضاتها النووية مع الغرب. تحفظها عن موقف الحركة من النظام السوري لم يمنعها من دعمها كـ"تيار مقاوم". عملية "الجرف الصامد" أكدت بلا لبس أن طهران لم تتخلّ عن تلك البراغماتية التي ميزت تحركها في المربعات الحمر.
في منطقة ملتهبة تستبيحها الاصوليات والعصابات المسلحة، ينكب الكبار على رسم حدود نفوذهم بدماء الابرياء. مصير فلسطين كلها، لا غزة وحدها، ومسيحيي المنطقة، لا الموصل فحسب، كما مصير الشعب السوري وشعوب المنطقة بأسرها، سيبقى رهنا بنظام اقليمي جديد سيكلف بناؤه مزيدا من برك الدم والدموع. وفي الوقت الضائع، تبقى اسرائيل المستفيد الاكبر.
&