&تركي الدخيل


تطرّقت في المقالةِ الماضية إلى الدور الكارثي الذي يقوم به الاتحاد العالمي لـ"علماء" المسلمين، وكيف أن الوصف الأمثل له "اتحاد الإخوان المسلمين". لقد كان لهذا الاتحاد مصائب على الأوطان الإسلامية، فهم الذين أعلنوا النفير العام إلى سورية، وشكلوا تكتلاتٍ ضد بلدانهم، ووقعوا بياناتٍ تحريضية لا تحقق أياً من مقاصد الشريعة ولا من مبتغيات النهوض والتقدم والتصحيح.
وقد كان العلّامة عبدالله بن بيّه سباقاً في ذكائه وإدراكه، إذ سرعان ما استقال من هذا الاتحاد الأيديولوجي الذي يقوم بأعمالٍ سياسية تخريبية تحريضية، ويأمر رئيسه بالقتل كما فعل حين استباح دم القذافي على الهواء مباشرةً، هذا هو المعلن، ولا تسل عن الأوامر الخفية والمخططات السرية.


ولأن في فقهاء وعلماء الإسلام من هم على مستوى كبيرٍ من المسؤولية، فقد استبشرنا بتأسيس أول هيئة دولية مستقلة تهدف إلى تعزيز السلم في العالم الإسلامي تحت مسمى "مجلس حكماء المسلمين"، يترأسها الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والعلامة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة. وتكون أبوظبي مقراً للمجلس!
جاء هذا الإعلان عشية اجتماع مهم عقده عدد من كبار علماء الدين في العالم الإسلامي بأبوظبي، وجاء في نص بيان التأسيس الصادر في 21 رمضان 1435هـ الموافق 19 يوليو 2014م، اتفاق المشاركين على أن جسد الأمة الإسلامية لم يعد يتحمل حالة الاقتتال وحدة الاحتراب بين مكونات المجتمعات المسلمة، وعلى حاجة الأمة إلى تدخل عاجل وضروري لحقن دم الإنسان، مؤكدين أن غاياتهم هي نفسها غايات ومقاصد الشارع التي تتمثل في أن يُحفَظ على الناس دينهم وأنفسهم ودماؤهم، وأن ما يعطيه السلم لا يساويه ما تنتجه الحروب. هذا التأسيس يشكّل فتحاً كبيراً للمسلمين في ظل الاحتكار الأيديولوجي الذي تمثله العديد من المنظمات التي يهيمن عليها رموز الإخوان المسلمين في المنطقة.


الأجمل من ذلك حين نقرأ الهدف الذي من أجله تأسست الهيئة، وهو باختصار: إيجاد مجتمعات آمِنة تُوقِّر العلمَ والعلماء، وتُرسِّخ قيمَ الحوار والتسامح واحترام الآخَر، وتَنعمُ بالسلام، كما تقوم رسالته على إحياء دور العُلماء واستثمار خِبراتهم في ترشيد حرَكة المجتمعات المسلمة، والإسهام في إزالة أسباب الفُرقة والاختلاف، والعمل على تحقيق المصالحة.
لقد مرّت المنطقة بأحداثٍ كبيرة كان لرموز الصحوة والإخوان المسلمين والسرورية الدور السلبي بشأن استقرار المنطقة والخليج، لقد وقفوا ضد الاستعانة بالحلفاء، وأشعلوا فتيل المعارضة والنزاع، وقادوا التظاهرات ضد بلدانهم، ومع كل أزمةٍ يكون لهم نفس الدور الكارثي على بلدانهم، فهم لا يسالمون ولا يريدون للسلم أن يحل.
هذه الهيئة بادرة كبرى في هذا الشهر الكريم أن تبدأ أعمال "حكماء المسلمين" الأجلاء، للوقوف مع السلم والتسامح ضد دعاة التطرف والانشقاق. ثمة غصة كبيرة في حلوق البعض نتيجة تأسيس هذه الهيئة لحكماء المسلمين، والسبب أنها ليست هيئة مؤدلجة أو حزبية أو أصولية، بل هيئة مدنية دينية سليمة تعنى بمقاصد الشريعة وجوهر الدين.
&