محمد كريشان

مع كل عدوان إسرائيلي يتسابق الساسة الأمريكيون ومعظم نظرائهم في الدول الغربية في الترديد الدائم والسمج لمقولة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» بما يشبه جوقة كورال للأطفال.
لا جديد هذه المرة أيضا مع العدوان على غزة… نفس الصيغ المعلبة تعود باستمرار على لسان الرئيس أوباما ونظرائه الأوروبيين وغيرهم من كندا إلى أستراليا مع أن هذه الإسطوانة المشروخة تحتاج إلى وقفة على أكثر من صعيد. من الناحية القانونية، يؤكد الخبراء أن غزة هي من يرزح تحت الإحتلال وجميع المواثيق الدولية ومنها ميثاق الأمم المتحدة تتضمن حق «الدفاع عن النفس» ضد أي عدوان أو احتلال. وبالتالي فإن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية هو الذي يمكن أن يطلق عليه بالتعبير القانوني «دفاع عن النفس» وليس ما تقوم به قوات الاحتلال. ويضيف هؤلاء الخبراء بأنه لا يمكن بحال قبول حجة الإسرائيليين بأن عدوانهم على الشعب الرازح تحت الاحتلال «دفاع عن النفس» إذ رفضت محكمة العدل الدولية في فتواها المتعلقة بالجدار العازل حجة إسرائيل القائمة على زعم ذلك حين نصت المحكمة قبل زهاء الخمسة أعوام أنه «لا يوجد حق الدفاع عن النفس للمحتل في القانون الدولي».


وحتى بعيدا عن القانون، طالما أن لا أحد من مؤيدي إسرائيل يقيم عمليا وزنا لذلك ولا يمكن لأي شخص منصف ومتوازن أن يعتبر أن دفاع إسرائيل عن نفسها، على افتراض التسليم به جدلا، يمكن أن يصل إلى هذا الفجور في الرد. ثم أنه من غير المعقول أيضا أن تطلب من زهاء المليونين من الآدميين المحاصرين برا وبحرا وجوا والمحرومين في لقمة عيشهم أن يظلوا هادئين كأطفال مهذبين في فصل يديره معلم صارم. وحين يعربون عن امتعاضهم بحركة أو أخرى يقع الرد عليهم بما لا يقاس أصلا بحجم ما قاموا به، خاصة عندما يكون الرد قتل عشرات الأطفال والنساء والشيوخ مقابل صاروخ لم يسقط ضحايا، أو كأن يعترف وزير الدفاع الإسرائيلي بأن مجزرة الشجاعية الأخيرة حدثت عمليا لأن قواته لجأت إلى قصف مكثف لإجلاء قتلاها وجرحاها!!


وسط ليّ الحقائق والتعسف على أبسط مقومات التفكير السليم والعادل الذي يفترض أن الإنسانية قد وصلت إليه الآن من المهم جدا العثور على تصريح منصف حتى وإن جاء من مسؤول أمريكي سابق. فقد أكد زبغينو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر (1977-1981) والأستاذ الجامعي في مادة السياسة الخارجية الأمريكية أن نتنياهو ارتكب خطأ فادحا بهجومه على غزة . وأوضح بالقول إنه «عندما قبلت حماس فكرة المشاركة في القيادة الفلسطينية فإنها اعترفت عمليا بقرار تلك القيادة بالسعي إلى الحل السلمي مع إسرائيل وذلك كان خيارا حقيقيا». ورأى بريجنسكي في مقابلة مع قناة «سي أن أن» الأمريكية أنه «كان يفترض في نتنياهو أن يتمسك بذلك الخيار ولكنه بدلا من ذلك شن حملة تشويه ضد حماس مستغلا مقتل المستوطنين الثلاثة باتهام الحركة على الفور بالتورط في قتلهم بدون أي دليل واستخدم ذلك الأمر لشحن الرأي العام الإسرائيلي وتقليبه من أجل خلق المبرر لذلك الهجوم الشرس على غزة».


عندما تقارن هذا الكلام بما يعيده جون كيرى بلا كلل لأكثر من قناة تلفزيونية أمريكية هذين اليومين من أن «إسرائيل تحت حصار منظمة إرهابية تحفر الأنفاق وتحاول خطف مواطنين إسرائيليين والعودة بهم كأسرى، وليس هناك أي دولة بإمكانها أن تتغاضى عن هذا الأمر وأن تجلس مكتوفة الأيدي ولا تحاول التعامل مع أناس يضربونها بآلاف الصواريخ»… أو عندما يقول بأن «إسرائيل لديها مطلق الحق في الدفاع عن نفسها، لكننا نأمل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن، ولكن لا يمكننا مكافأة الإرهابيين ومنحهم الفرصة لفرض شروط مسبقة»… فإن الفجوة كبيرة للغاية في منطق النظر إلى الحدث نفسه. وحتى عندما سئل كيري الذي يزور المنطقة هذه الأيام عما إذا كانت بلاده تشعر بالارتياح إزاء الأفعال الإسرائيلية في غزة قال «ليست هناك دولة أو إنسان يشعر بالارتياح لقتل الأطفال والناس، ولكننا لسنا مرتاحين لقتل الجنود الإسرائيليين أو لقصف الناس بالصواريخ في إسرائيل». ولما سئل كذلك إذا كانت إسرائيل مضت بعيدا في هجومها على غزة، لم يجد جوابا أفضل من القول «أعتقد أن هناك وضعا صعبا للغاية، فهناك أناس يستخدمون الأنفاق، ومن حق إسرائيل تدمير تلك الأنفاق، ونحن ندعم ذلك بشكل تام، كما ندعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الصواريخ التي تستمر بالسقوط عليها».


إنه منطق ظالم لا منطق له. ومن فرط ظلمه لم يعد بيد الفلسطينيين من خيار سوى التصدي له ببسالة وهو ما يفعلون.