يوسف الكويليت
&
لا نظن أن بؤس الإنسان فقط، فقدان الأحباب من أبناء العائلة، والأقارب والأصدقاء ولكن أصعب منها فقدان وطن تُجبر أن تُقصى عنه بفعل فرز قومي، وديني وايدولوجي، وشواهد التاريخ كبيرة، فقد هجّرت إسرائيل الفلسطينيين إلى أرض المجهول العربي والأجنبي، فكان رد الفعل العربي المتسارع والجاهل تفريغ مدنهم وقراهم من اليهود ليصبحوا جنوداً في صفوف الاحتلال وقاعدة شعبية لتأسيس دولتهم في فلسطين..
&
حوادث التهجير القسري مرت في معظم بلدان العالم، فقد ذبح سكان أصليون أو هجّروا أثناء الاستعمار والاستيطان الغربي في عدة قارات، وكان هتلر وستالين الأقسى في إدارة المحارق والمذابح والتهجير لمختلف الجنسيات حتى لا تمارس حقوقها الدينية، والقومية، وهي العمليات التي أنهت حكومتا البلدين بعد مخاض طويل من حروب وايدلوجيات شمولية وجدت نفسها خارج الزمان والمكان..
&
الوطن العربي تم احتلاله من قبل سلاطين الأتراك ثم الاستعمار الغربي، وشهد قسوة «التتريك» والنفي الاختياري لتراث العرب زمن الاستعمار، وعدا ما حدث في فلسطين فقد بقي الوطن، ولكنه مسلوب الحرية والإرادة ومع كل الفصول المأساوية تم انتهاؤها بالمقاومة الوطنية والتحرر من الاحتلاليين، جاء البديل الأسوأ على شكل حكومات لا تملك قاعدة فكرية لتسخر فئات معينة اخترعت لها مبدأ الوطنية والوحدة، وإظهار الصورة المقلوبة للتنمية الاقتصادية والبشرية لنواجه عجزاً في كل شيء عسكري ومادي، وقد تتالت السيئات فأفرزت عقلاً مقيداً بماضيه ينظر للحياة والحضارة والإنسان أنها سوءات تاريخية لابد من تعديل مسارها بقوة البندقية لتحقيق المسار الصحيح للعقيدة الإسلامية، فظهرت جماعات التكفير التي بدأت أسلوبها دعائياً مع بعض عمليات التصفيات الجسدية لمن حكم عليهم قضاة التكفير، فكانت النواة لبروز عناصر أخرى ذهبت للجهاد في أفغانستان لهدف مثالي، لكن في باطنه كانت ترسم أهداف وسياسات أخرى تدار من خلف الستار بتجهيز تلك التنظيمات أن تكون فرق الموت والتنظيم السوداوي في فكره ومنطلقاته، فولد من تلك الأرحام القاعدة التي تفرعت إلى قواعد، وكان أول من استهدف المرأة لتكون كإبليس في المرجم، حيث سلط عليها من تلك الجماعات خنقها، وإبعادها ان تكون لها صفة الإنسان، فجاء الرجم والجلد، والأحكام التعسفية الأخرى التي لا تستند إلى قرائن دينية فاتحة حكم لتلك العناصر، حتى أن تماثيل شهدت عليها أنظمة وأديان ودول لم تتعرض لها بسوء باعتبارها تراثاً تاريخياً لم يهدد العقيدة الإسلامية، ولا غيرها، كانت هدفاً لتحطيمها في أفغانستان لكن ما كان أكثر فزعاً ممارسات داعش والنصرة وجماعات متناثرة من أصحاب فتوى التضييق للإسلام الواسع ان بدأت مأساة أخرى لتهجير الآشوريين والكلدان ثم المسيحيين الذين اشترط عليهم دخول الدين الإسلامي، أو دفع الجزية أو الموت وهي سابقة حديثة لم تجر إلا في عراق داعش ولم يقتصر الأمر على أصحاب دين آخر، وإنما ذهبت داعش لتهديد الأكراد المسلمين السنة بتفريغهم من أراضيهم وبيوتهم، وإلا حل عليهم القصاص..
&
هذا العالم الذي يشهد الصورة البشعة للمسلم أنهى قيماً تاريخية حين حافظ وحمى المسلمون اليهود والنصارى من المجازر والإبادات الجماعية لنرى المشهد بشكله الدموي بحق ديانات وقوميات ظلت بيننا تعيش بلا قيود أو تعقيدات، ولم يقتصر الأمر على عينات محددة فقد حاول المالكي في العراق إفراغ الجنوب كله من المسلمين السنة، وجعل اللغة الفارسية اللغة الثانية تمهيداً لتكون أجزاء من العراق ملحقة لإيران وهي الحالة التي لا نجد لها قانوناً إلا اعتقال العقل أو ذبحه.