عادل الصفتي
&
لا ريب في أن الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة بات لها منطقها الخاص. ويبدو الأمر وكأن ما حدث كان لابد أن يحدث؛ وكأن هناك حتمية لحدوثه. ومع ارتفاع وتيرة القتل والتنكيل، يُحصي الفلسطينيون ضحاياهم. وبينما أكتب هذا المقال، تجاوز عدد الضحايا حتى الآن في صفوف السكان الغزيين كل التوقعات، خصوصاً منذ أن بدأت الحرب البرية. وتشير الأرقام إلى مقتل ما يربو على 600 فلسطيني. وذكرت قوات «الدفاع» الإسرائيلية أنه تم استخدام أكثر الأسلحة الفتاكة حتى الآن، إذ تم إسقاط أكثر من 1500 قنبلة بقوة 4.5 طن للكيلومتر.
&
وفي واشنطن، أفادت التقارير بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الخميس الماضي، ليس لحثه على ضبط النفس أو التصرف بمسؤولية، وإنما لإدانة الصواريخ بدائية الصنع التي تطلقها «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) على إسرائيل! وقال إنه يرغب في التفاوض لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والحركة. وأضاف أوباما: «إن الولايات المتحدة لا تزال مستعدة للتوسط من أجل وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في الحادي والعشرين من نوفمبر عام 2012».
ولا يمكن أن يكون هناك شك في أن التفاوت الكبير بين طرفي النزاع قد أثر بشكل كبير على نتيجة الصراع الحالي فضلا عن المعارك السابقة. فأحدهما جيش متكامل الأركان، وجنوده مدججون بالأسلحة من شعر رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم. والآخر ليس إلا ميلشيا لا تملك من الإمكانيات سوى المضي قدماً والاشتباك مع العدو في معركة غير متكافئة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. معركة يواجه فيها رابع أكبر جيش في العالم مجموعة من المسلحين، بيد أن أقوى أسلحتهم العزيمة دون النيران.
&
وفي عدد الحادي عشر من يوليو الجاري، نشرت صحيفة «يو. إس. إيه. تودي»، واحدا من أكثر الأخبار الباعثة على الحزن، إذ جاء فيه: «كافة الأطفال في المدينة مصابون بالرعب، وكيف لا يكونون كذلك؟»، حسبما وصفت «إيتي زران»، مديرة مدرسة في مدينة سيدروت الحدودية، تلاميذها الإسرائيليين. ولكنهم أفضل حالاً مقارنة بالأطفال الفلسطينيين، الذين قتل الكثير منهم، أو فقدوا ذويهم وأقاربهم، أو أصيبوا بإعاقة مستديمة بسبب القنابل الإسرائيلية، علاوة على الآثار النفسية للقصف والتدمير والدماء المراقة في كل شبر من القطاع.
&
وعلاوة على ذلك، هناك اختلافات أكثر مأساوية، لمن ألقى السمع وأمعن النظر؛ إذ توجد فجوة ضخمة بين مصادر الإيرادات والتمويل بين طرفي النزاع، فأحدهما لديه قدرات تكنولوجية وصناعية متطورة، والآخر يعتمد على الآخرين في التكنولوجيا، وليس لديه سوى أشياء بدائية. وأحدهما يحصل على التمويل من دافعي الضرائب الأميركيين، والآخر يعيش على التبرعات من المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية.
&
ولا تستطيع المقاومة الفلسطينية المسلحة تحقيق أهدافها العسكرية، بينما يمكن للطرف الآخر أن يحدد بدقة متناهية أهدافه العسكرية، وعلى الرغم من ذلك يرد الجيش الإسرائيلي على منتقديه بزعم حتمية سقوط خسائر لا يمكن تفاديها بين المدنيين أثناء القصف والاجتياح البري، غير أن من بين هؤلاء المدنيين أطفال ونساء وطاعنين في السن.
&
وفي غضون ذلك، يمكن للحكومة الإسرائيلية الاعتماد بشكل كامل على دعم دبلوماسي غير مشروط من قبل حليفتها المخلصة، الولايات المتحدة، بينما لا يوجد من يُعِير سمْعه للطرف الآخر؛ بل ويصل الأمر إلى تحميله مسؤولية ما ترتكبه آلة القمع الإسرائيلية من قتل وتدمير.
&
ويزعم الطرفان الحق في الدفاع عن نفسيهما، لكن اختبار الدفاع عن النفس يضع عبئاً ثقيلا على كاهل من بدأ العدوان. ولابد أن يبرهن الطرفان على أنهما اضطرا للدفاع عن نفسيهما، وأن هذا الاضطرار، الذي لم يتح لهما الوقت للتفكير، كان هائلا، ولم يترك لهما وقتاً لاتخاذ القرار.
&
وقد نظمت كثير من المظاهرات الكبرى حول العالم، لكن واحدة منها لفتت انتباهي بشكل خاص، بسبب ما انطوت عليه من مفارقة. ففي إحدى المظاهرات التي انطلقت في العاصمة التركية أنقرة، ذهبت مجموعة من المتظاهرين إلى السفارة الإسرائيلية، وصعد أحدهم سور المبنى وعلق عليه العلم الفلسطيني. وعند سماع ذلك، كان رد فعل المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية أن صرح قائلا: «إن ذلك انتهاك للقانون الدولي!»، متناسياً أن ما يحدث بحق الفلسطينيين في قطاع غزة جرائم وحشية لا تمت للإنسانية بصلة.
&
ولم يعد أمام حركة «حماس» الآن سوى مواجهة أحد خيارين: الأول هو وضع أسلحتها، والتخلي عن المواجهة والاستسلام، وما يترتب على ذلك من فقدان الأمل واليأس من جلاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية. والخيار الثاني هو مواصلة مقاومة قمع آلة الاحتلال الإسرائيلي الوحشية وجور الحصار.