أحمد عبد الملك
&
هنالك قضايا وأحداث يُحاذر الإعلام العربي والإسلامي الدخول فيها أو مناقشتها بقصد إيجاد حلول لها، لأن ثقافة (العيب) ما زالت تُعشش في أمخاخ الكثيرين، حتى يصل الأمر إلى تحت جفونهم، في الوقت الذي لا يحاذر القائمون بفعل (العيب) من الله عندما يقومون بأعمال مسيئة للآخر. ولقد صدر تقرير عن الأمم المتحدة يوم 8/7/2014 جاء فيه:« أن عدداً كبيراً من النساء اللاجئات السوريات فقدن أزواجهن خلال أعمال القتال في سوريا، يعشن تحت ضغوط شديدة ويواجهن التعرض لمخاطر عالية من الفقر والاستغلال والتحرش الجنسي. وأن نحو 145 ألف امرأة منهم (في مصر ولبنان والعراق والأردن) يواجهن هذه الأوضاع. وحسب المفوض العام لشؤون اللاجئين، فإن عدداً كبيراً من السوريات يشعر بعدم الأمان، ويقول بعضهن: "إن سائقي سيارات الأجرة وعمال الخدمات الخيرية المحليين وأصحاب البيوت التي يسكُنَّ فيها يتحرشون بهن أو يسعون لاستغلالهن".
&
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي قد تداولت هذا الموضوع من ناحية أخرى، حيث يتم استغلال النساء مثلًا في (عكار) بلبنان بصورة مهينة من قبل بعض منسوبي أعمال الإغاثة والمساعدات. كما جاء على لسان إحدى النساء التي ذكرت أن ذاك البعض يتزوج من فتيات في عمر 14 -18 ويأمر الفتيات بالصرف عليهم بأية وسيلة. هذا الموضوع ذكّرني بأحداث البوسنة والهرسك، حيث قال لي أحد السفراء يوماً، إن بعض المتطوعين للقتال مع المسلمين هنالك يُقدمون على الزواج من فتيات في ذات العمر (14-18) بل ومن أكثر من واحدة، ثم يقومون بتطليق بعضهن خصوصاً الحوامل ! وهذا يتسبب في كارثة اجتماعية عندما يعود هؤلاء «المجاهدون» إلى بلدانهم ويتركون أولادهم خلفهم.
&
بصراحة، هذا موضوع يحتاج إلى نقاش صريح!، ذلك أن التستر على مثل هذه المواضيع يزيد من معاناة النساء في الملاجئ، بل ويزيد في قتامة صورة الإنسان المسلم في عيون الآخرين.
وهنالك بعض الأسئلة التي لا بد من مواجهتها لتحليل هذه الظاهرة المؤسفة، والتي تأتي من عرب ومسلمين على السواء. فهل الإنسان العربي المسلم يتجاهل كل القيم الإسلامية والشيم العربية ويعتدي على الأرامل والضعيفات دون وجه حق!؟ وهل يتناسى من يقوم بتلك الأعمال الخارجة على الذوق والدين والمنطق ماذا يقول لهم القرآن الكريم والسنة النبوية؟. وماذا يقولون هُم، وهم ساجدون للخالق الجبار؟ وهل لا توجد سلطة في مخيمات الإيواء – في تلك البلدان – كي تحكم تلك المخيمات وتمنع « توحُش» بعض العاملين في تلك المخيمات أو أصحاب البيوت التي يتم استئجارها لسكنى اللاجئات الضعيفات؟
&
ثم لماذا ينتفض البعض – المسكون بالحمية العربية والإسلامية – عندما ينشر الغرب مثل هذه الفظائع عن بعض المخطئين في بعض العواصم العربية أو المنافي، عن الحالات والمشاهد المتكررة لاستغلال النساء الضعيفات وإجبارهن على ممارسة الفحشاء، أو الزواج العرفي المؤقت، الذي تتلاشى «معرفته» بعد رحيل الشخص من البلد أو المخيم؟
&
نحن نعتقد أن الوحوش البشرية التي تنطلق هنا وهنالك بقصد استغلال اللاجئات في أي مكان، لابد وأن تُواجه بالقضاء والقصاص، وألا يعيش النازحون والنازحات بعيداً عن عين القضاء.
&
إن اللاجئة إنسانة ضعيفة، خصوصاً الأرملة أو الشابة، التي فقدت عائلها، وقد تلجأ إلى الصمت خوفاً من العار أو من القتل أو الموت جوعاً، ولا بد للإعلام العربي أن يدخل إلى أماكن الإيواء الخاصة باللاجئات السوريات، وينقل معاناتهن، بعيداً عن الخصوصيات السياسية أو الإحراجات المذهبية. وكما فعل الإعلام العربي في كشف بعض الممارسات في سجن «أبوغريب» في العراق وجوانتانامو بأميركا، من تعذيب وإهانة للإنسانية واعتداء على كرامة المعتقلين، فإن ما يحدث للاجئات السوريات لا يختلف عن تلك الإهانات وإن كان بصورة مختلفة، وبتركيز وحيد على الاعتداء أو التحرش الجنسي.
&
إن للإنسان كرامة أينما وُجد، وتلح الحاجة إلى المحافظة على تلك الكرامة في ظل انعدام الأمن وفي زمن الحروب والكوارث، وضرورة منع بعض الغوغاء ومذعني الغريزة من التغول على كرامة الناس، ولا بد من كشف تلك الممارسات وإقامة الحد على من يثبت تورطه في مثل تلك الأعمال المخلة بالآداب العامة والمخالفة لتقاليد الدين الحنيف والمروءة العربية.
&
نعم، إن ما يقوم به البعض من «المتعطشين» للجنس ولإهانة النوع الإنساني الضعيف، يحتاج إلى تعرية، وإظهاره ووضعه في الإطار المناسب، حتى لا تتحول الملاجئ إلى «أوكار» للإهانة البشرية، ولظهور جيل من الأيتام الذين لا يعرفون آباءهم، ولا ينالون أي قسط من العمل أو الحياة الكريمة.
&
لا بد وأن تقوم الجهات المختصة – في البلدان التي شملها التقرير الأممي – بعمل استبيانات وتحقيقات مع من تعرضّن للتحرش والاعتداء الجنسي من قبل أشخاص بعينهم، بغية معاقبة الخارجين على القانون والذوق والأخلاق، ولمنع الآخرين من ممارسة ذات الفعل المشين. ولا يجب أن تخجل تلك الجهات من نشر الوقائع وأسماء المتورطين فيها، حتى يعرف الرأي العام، كيف تُهان كرامات الناس تحت شعارات عديدة، منها خدمة الإنسانية والدين.