فتحي صبّاح&

&


«تركنا باب المنزل مفتوحاً على مصراعيه وهربنا، كأنه يوم الحشر، يوم القيامة، رجال ونساء وأطفال يجرون بكل ما أوتوا من سرعة إلى أن وصلنا إلى شارع الثلاثيني وسط المدينة»، قالت لـ»الحياة» الصحافية منى حلس (29 عاماً).

وأضافت: «كان يوماً غير مسبوق في حياتي. القصف بدأ بعد ساعة من موعد الإفطار، واستمر حتى الصباح من دون توقف. رفض شقيقي رجائي وتوسلي أن نترك المنزل منذ بدأ العدوان البري» فجر الجمعة الماضي.

مر يومان لم يكن فيهما القصف على حي الشجاعية، فشعر معظم الناس باطمئنان نسبي.

هربت حلس، التي شهدت الحربين الماضيتين عامي 2008 و2012، وطفلها كريم ووالدتها وشقيقها وشقيقتها وعشرات آلاف آخرين بعيداً من «نار جهنم» التي صبتها طائرات الاحتلال على الحي وحي التفاح المتداخل معه شرق مدينة غزة.

وقالت امرأة لجأت إلى منزل أقاربها في حي الرمال وسط المدينة: «كنا وأطفالنا نصرخ بجنون، نجري من دون وعي، فوق الجثث والحجارة وقطع الحديد والأخشاب المتناثرة نتيجة القصف». وأضافت: «كأنه زلزال ضرب الحي».

وانضم 100 ألف من الحيين إلى 100 ألف آخرين نزحوا من مناطق كثيرة إلى المدارس، فيما جال آلاف منهم في الشوارع بحثاً عن مأوى، ففتح «أهل الخير» لهم منازلهم أو حتى مخازن غير مأهولة تقع أسفل مبان يملكونها، فيما أكثر من 200 عائلة تفترش الأرض وتلتحف السماء في حديقة مستشفى الشفاء، وذهبت حلس وعائلتها إلى منزل خالتها القريب من مستشفى الشفاء غرب المدينة التي استقبلت خلال ساعات معدودة 75 شهيداً سقطوا في «محرقة» الشجاعية والتفاح من اجمالي 750 شهيداً حتى الآن.

وتُظهر أعداد الضحايا المفجعة من المدنيين أن إسرائيل تستهدف من وراء القصف الكثيف على الأحياء والمنازل المأهولة، قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، خصوصاً الأطفال والنساء، للضغط على فصائل المقاومة لوقف النار، خصوصاً أن صواريخها وصلت إلى حيفا وتل أبيب والقدس.

قوات الاحتلال «ارتكبت مجازر جماعية في حق 44 عائلة منذ بدء العدوان، من بينها عائلة أبو جامع التي استشهد منها 26 شهيداً، والبطش 18 شهيداً، وكوارع والحاج اللتان استشهد ثمانية من كل منهما في خان يونس، وصيام في رفح والحلو في غزة واستشهد 11 لكل منهما، وغيرها».

نفدت من غزة المواد الغذائية الأساسية، بينها «الرز والسكر وزيت الطعام والألبان والأجبان والبيض، ومواد التنظيف وغيرها»، حسبما قال لـ»الحياة» مالك سوبر ماركت أبو الكاس أنور أبو الكاس، عازياً ذلك إلى «إغلاق المعابر واستشهاد عدد من تجار الجملة، أو أفراد عائلاتهم، أو تدمير منازلهم ومخازنهم وسياراتهم، وعدم تمكن آخرين من الوصول إلى مخازنهم، نظراً لخطورة الوضع، لأن معظمها يقع في المناطق التي توغلت فيها قوات الاحتلال أو قريبة منها».

وقال محمد الحلو (30 عاما) إنه ينتظر تهدئة، أو أن تضع الحرب أوزارها لاخراج جثامين عمه وزوجته وأبنائه الأحد عشر الذين قُتلوا في منزلهم في الحي.
&