محمد الصياد

في اليوم الثالث عشر من الحرب الإجرامية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة (بدأت مساء يوم الاثنين 7 يوليو/تموز 2014)، بلغ جنون حكام "إسرائيل" مبلغه، إذ نفذ سلاحهم الجوي 35 غارة على القطاع الضئيل جغرافياً (365 كيلومتراً مربعاً)، الهزيل اقتصادياً (5 .1 مليون نسمة، بما يجعله الأكثر كثافة سكانياً في العالم، وبنسبة بطالة تفوق 45%، و 89% من سكانه تحت خط الفقر بمتوسط دخل يبلغ 5 .1 دولار في اليوم، مع وجود 50 ألفاً من موظفيه بلا مرتبات منذ سبعة شهور) . أعداد القتلى والجرحى الفلسطينيين في تصاعد مستمر على مدار الساعة، لذلك حين نقول صبيحة هذا اليوم الجمعة 25 يوليو/تموز أن عدد الشهداء تجاوز 670 شهيداً وعدد الجرحى بلغ أكثر من أربعة آلاف لن نكون صائبين البتة، وذلك في ضوء تزايد سقوط أعداد الضحايا .


لا تكاد مفردة كارثة توصف الجحيم الذي تصب آلة الحرب الصهيونية حممه على سكان غزة، أكثر من 90% من الضحايا هم من المدنيين . .أطفال ونساء وشباب وشيوخ . السعار والجنون "الإسرائيلي" ليس له حدود، فلم يوفر نتنياهو وعصابته أرواح عائلات بأكملها، ولا المرافق الصحية ولا شبكات تخزين وتوزيع المياه ولا المرافق التعليمية .


وما يزيد منسوب الغضب والتشاؤم بشأن احتمال تحسن حالة الضمير العالمي، إن هذه المحرقة الجديدة، ليس فقط لم تستدع ردة فعل إنسانية غريزية، كما هو مفترض في الحالة الطبيعية التي يمر بها هذا الضمير، وإنما شهدنا ما هو أنكى وأفزع . . شهدنا ما يتجاوز اللامبالاة إلى التشفي وتبرئة المجرم مرتكب المحرقة في وضح النهار، وتبرير كل أفعاله الشيطانية الشنيعة .


وفوق كل ذلك، "يتطوع" ويندفع الإعلام الغربي، وبعض الإعلام العربي السائر في ركابه، لمواكبة الهجمة الهمجية "الإسرائيلية" الجديدة، بتغطية عوراء، باغية التضليل والتعمية على الصورة الفاشية البشعة للعدوان الوحشي على أهالي القطاع العزل الهاجعين في بيوتهم، وما دروا أنهم بذلك إنما يستفزون المشاعر ويزيدونها التهاباً وغضباً على هذا النظام الدولي الدكتاتوري الذي تهيمن عليه قوى الأوليغارشيا العالمية .


يوم السبت 19 يوليو/تموز سألت المذيعة في إحدى المحطات الناطقة بالعربية، ضيفها الذي قدمته على أنه صحفي عربي مقيم في لندن، عن رأيه في التغريدة التي نشرتها "ديانا ماجناي" مراسلة شبكة "سي إن إن" الأمريكية عبر حسابها على "تويتر" التي وصفت فيها "الإسرائيليين" الذين هللوا لإطلاق الطائرات الحربية "الإسرائيلية" صواريخها على قطاع غزة بأنهم "حثالة"، فأجاب بكل برود وتنطع بأن من الطبيعي أن يشمت كل طرف من أطراف الحرب الدائرة في الآخر!! . فهل بعد هذا السقوط المناقبي من كلمات تقال؟!


علماً بأن المراسلة نشرت تغريدتها بعد تغطيتها للأحداث على الشريط الحدودي بين غزة و"إسرائيل" ونشرها تقرير حول تحرك قوات الاحتلال، حيث اتهمت المستوطنين بتهديدها بتحطيم سيارتها حال قولها شيئاً لا يعجبهم . ولكن، وعلى جري العادة، سرعان ما تحركت المافيا الصهيونية لإخراس صوت المراسلة وإجبارها على حذف تغريدتها من حسابها .


من الواضح أن هناك تنسيقاً مسبقاً بين حكومة "إسرائيل" والولايات المتحدة وبلدان أوروبا الداعمة لها، على اتباع استراتيجية إعلامية قوامها تصوير الحرب الإجرامية التي تشنها "إسرائيل" ضد قطاع غزة على أنها حرب بين "إسرائيل" و"حماس" وتكثيف وتركيز الأضواء على هذه الخدعة، وليس حرباً تشنها "إسرائيل" بدعم من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ضد الشعب الفلسطيني المحاصر داخل ذلك الحيز الخانق من الأرض المحاصر منذ عام 2006!


على أن المثير للحزن والاشمئزاز في هذا القبح الإعلامي المتداعي فجوراً، هو أن قسماً من الإعلام العربي قد اختار هو الآخر، كما أسلفنا، الاصطفاف وراء هذه الاستراتيجية الخبيثة التي لا تقل إجراماً في حق أبناء الشعب الفلسطيني عن جريمة العدوان المادي الذي تنفذه آلة الحرب الصهيونية ضدهم . فلا غرو، والحال هذه، أن يتبجح نتنياهو في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد مجزرة الشجاعية يوم الأحد 20 يوليو/تموز الجاري، موجهاً خطابه ل"الإسرائيليين" "لا تقلقوا فالمجتمع الدولي بأكمله يقف في صفنا ويؤازرنا"!


ولعل هذا بحد ذاته مدعاة للتوقف من جانب أصحاب الضمائر الحية في أجهزة الميديا العربية والعالمية أمام هذه الهجمة الإعلامية العدوانية المواكبة لجرائم الجيش "الإسرائيلي" . فمن الأهمية بمكان إبراز وإشهار هذا الدور المشبوه الذي يلعبه الإعلام الغربي وبعض الإعلام العربي المتناغم معه للأسف الشديد، خصوصاً أن هذا الإعلام يركز في هذه الحرب على استقطاب أصوات من الدهماء ومن بعض الوجوه المغمورة التي لا تبالي بسمعتها لمهاجمة المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية إقدام "إسرائيل" على شن الحرب ضد قطاع غزة المحاصر، وذلك إمعاناً من جانب هذا الإعلام في تسعير نيران الفتن وتقسيم الناس عرقياً وطائفياً ومذهبياً على نحو صريح لا لبس فيه، من دون خجل أو اعتبار لقواعد المهنة الصحفية .


هذا الإعلام الفاسد هو نفسه الذي يعمل ليل نهار على تغييب الحقيقة الساطعة المتمثلة في أن "إسرائيل" دولة إرهابية بامتياز، دولة تنطبق عليها كل عناصر الاستدلال المستخدمة في توصيف الحالة الإرهابية . .دولة تشن الحروب على الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى الدول العربية في المشرق والمغرب بمعدل حرب كل سنتين، من شن العدوان على العراق في المشرق وتدمير مفاعل تموز إلى الإغارة على تونس في المغرب العربي لتدمير مقر منظمة التحرير الفلسطينية واغتيال القائد أبوجهاد .


هذه وغيرها من الحقائق يجب أن تكون دائماً حاضرة في كل زمان ومكان على الألسنة وعلى صفحات الصحف والمجلات والكتب وشبكات التواصل الاجتماعي وعلى الشاشات الفضية وعلى المواقع الإلكترونية، حتى تبقى ساطعة وهّاجة تعمي كل "أدوات" ووسائل الميديا النازعة دوماً لحجبها .