عبدالله العوضي

إسرائيل وحيدة من دون العالمين تتعامل مع العالم أجمع باللاقانون، وحتى المحتل في ذات العالم لديه قانون خاص به ينفذ من خلاله أهدافه الاستعمارية إلا أن هذا الوضع لا ينطبق على إسرائيل.


هذا المحتل المدلل يعبث حواليه متى شاء وكيف شاء لا معترض على جرائمه ولا لقضائه على الأبرياء والأشقياء، يكفي اختفاء ثلاثة مراهقين تم اكتشاف قتلهم لاحقاً، سبباً كافياً لغزو غزة انتقاماً للمراهقين الذين لم يثبت إلى الآن من قتلهم فلا تحقيق ولا هم يحزنون وإنما الثأر ولا شيء غير الثأر في زمن يفترض أن الثارات الجاهلية قد ولّت وانتهت بزعم الحضارة التي أنشأت قوانين تخرج الإنسانية من مرحلة الغاب إلى رحاب العيش المشترك.

إسرائيل في غزة تمارس قمة همجيتها أمام العالم المتقدم الذي يتفرج على المشهد دون أن يقول لإسرائيل إلى هنا وكفى مجرد القول ليس أكثر، فالكلام الإنشائي حول وقف الطرفين الاقتتال لا ينشئ واقعاً سليماً من الاستفزاز لصالح الاقتتال سواء كان المراهقون هم الشرارة أو شرارة الصواريخ والدبابات المتلاحقة والتي لا تفرق بين البشر والحجر في استهدافها.

إسرائيل بسلوكها الهستيري في غزة تريد أن تكرس مبدأ غزة خارج الإطار الفلسطيني، فالتركيز على غزة بين فترة وأخرى واستهدافها عسكرياً لوجود السلاح الذي يدمي إسرائيل ولا أكثر من ذلك، ويخرج مشروع الدولة الفلسطينية المرتقبة من سياقه الصحيح. ولذا ينبغي إعادة النظر في حيثيات ما يراد فرضه كأمر واقع وذلك في اختزال قضية فلسطين الكبرى كلها في غزة وهو ما لا يخدم القضية الأم التي تشمل غزة كذلك.

فهذا يتطلب وضع فلسطين ككل في مكانها اللائق وألا يذهب المشروع كله كذلك كأحد ضحايا غزة التي كثرت بواكيها، فإذا كانت «حماس» هي أم المشاكل في غزة فماذا لو انتقلت هذه المشكلة إلى الضفة الغربية فساعتها كيف تتعامل إسرائيل مع هذا الوضع، هل تقوم بغزوة كبرى لكل فلسطين التي لم تنشأ بعد.

لابد من عمل شيء ما بعد الدماء والأشلاء وإلا فإن عمليات الكر والفر لن ترسي سلاماً شرق أوسطياً ولا فلسطينياً، لأن بعد كل غزوة إسرائيلية ينشغل المتضررون بدفن الموتى وإصلاح الدمار، وهو ما يطيل أمد أي مشروع يسمى بالسلام لا يمكن تحقيقه على الأرض المزلزلة.

من الطبيعي في مثل هذه الأوقات أن يلجأ العقلاء في العالم إلى طرح المبادرات تلو الأخرى حتى لا يستمر سيلان الدماء بلا معنى ولا داع.

فالوضع من السوء بمكان بأن التهدئة لابد أن تكون على وجه السرعة والفورية لأن القتل والسحل من الجانبين وفق المعادلة الجارية على الأرض ليس في مصلحة أحد سواء الطرف الإسرائيلي أو الفلسطيني ولا نقول «الحماسي» لأن فلسطين في نهاية الأمر هي الخاسر الأكبر وهو الهدف الرئيسي الذي يسعى إليه نتنياهو من كل هذا الدمار.

فالمفارقة اليوم هي أن إسرائيل الدولة تقاتل بكل ما تملك من الترسانة العسكرية فصيلاً واحداً ضمن عشرات الفصائل الفلسطينية، التي لها وجود على الأرض منذ أكثر من ستة عقود، فالقضية ليست من صنع اليوم بل من صنع المحتل وسارق الأرض بلا حساب ولا كتاب ولا عقاب.

فالسياسة والدبلوماسية يجب أن تحل محل الدبابات والمدرعات والمجنزرات، وذلك حتى تضع الحرب القذرة أوزارها وإلى أن يحدث ذلك فعلى إسرائيل التعامل مع الطرف الذي يراد أن يحكم فلسطين وليس من يحكم غزة، لأن هذا التجزيء سيزيد الوضع تفاقماً.
&